يناير المستمرّ

يناير المستمرّ

بعد ثلاثة أيامٍ من اليوم تنقضي خمسُ سنواتٍ على شرارةِ ثورة الخامس والعشرين من يناير المصريّة. وفي الحقيقة، كنتُ قد ترددتُ كثيرًا في الجملةِ الأولى التي ستبتدئ بها هذه المادة، إذ خطرَ لي اعتبار يوم الخامس والعشرينَ من يناير هذا هو اليوم الذي تتمُّ فيه الثورة المصرية عامها الخامس وتدخلُ عامها السادس. ووجهُ التردّدِ لم يكن في أن لا ثورةَ في مصرَ هذه الأيام. إذ، ولربّما لإيمانٍ ما أو لطيشٍ محتمل، ما زلتُ أظنُّ الثورةَ المصريّةَ مستمرّةً إنما هي في حالةِ كمونٍ ليس إلّا. لكنّ سبب التردد الأساسيّ والحسم في أن أبدأ المادة بالجملة التي بدأتُ بها، هو أنّ السّنواتِ الخمس الأخيرة، علمتني/نا كسوريّينَ ألّا نفرضَ على أحدٍ ما لا طاقةَ لهُ بهِ، وأن نتركَ القرار في شؤونِ مكّةَ لأهلها.


سؤالانِ يستحقّانِ، من وجهةِ نظري، التوقّفَ قليلًا مع حلولِ هذه الذكرى، الأولُ مستنبطٌ من التوقّعِ أنّ السلطة المصريّة الحاليّة لن تفوّتَ ذكرى ثورة 25 يناير من دونِ إحياءٍ واحتفال، قد يجتمعُ فيه ضبّاطٌ ومسؤولونَ وتُحرّكَ لأجلِهِ مسيرات وتُطلقُ فيه شعارات. ووفق الوضعِ القائمِ في مصر، ووفقَ أنني بتُّ أعرفُ لاجئًا مصريًّا هنا في السويد، وهو أمرٌ جدُّ مستغرب مع دولةٍ حتّى في أعتى مراحلِ عسفِ الديكتاتوريات فيها، احتفظت بمعارضيها في داخلِها (وإن كانَ هذا الداخلُ سجونًا)، وبناءًا على الكثير من الصور والأخبار التي ترِدُ من أصدقاء مصريين، وتتحدّثُ عن عسفٍ أمنيّ وعسكريّ قلّ مثيلهُ في أمّ الدنيا، فإنّ السؤال الذي ألحّ عليّ: هل ثمّةَ أسوأ من أن يحيي هؤلاء بالذات ذكرى الثورة المصرية وكأنّهم صنّاعُها، وكأنها أتمّت مهمّاتِها بنجاحٍ بوصولهم إلى حيثُ هم الآن؟!


أما السؤالُ الثاني، فإنّهُ لغويًّا أقرب إلى الاستفهامِ الإنكاريّ. في صيف العام 2012 زرتُ مصرَ لأيامٍ خمس، وبطبيعةِ الحال، كانَ لا بدّ لي من الاتصال بالعمّ أحمد فؤاد نجم لترتيبِ لقاءٍ كنّا قد تواعدنا عليهِ قبل ذلك بسنتين، اتّصلتُ بصديقنا المشترك ميشال غالي، وأقلّني من الفندق في الزمالك إلى منزل نجم في المقطّم. كنتُ قد التقيتُ قبلَ ذلكَ بخالد عبد الحميد عضو ائتلاف شباب الثورة ومجموعة من أصدقائه، وكانَ الحديثُ السائدُ عن بدايةِ تكشير الإخوانِ عن أنيابهم، ورغبتهم الاستئثارَ بكلّ مفاصلِ الحكم في البلاد، وأخطرها وفق وجهة نظرهم، الإعلام والتربية والتعليم. وفي بيت عمّ أحمد، أعدنا الحديثَ نفسهُ، فكانَ ردّهُ ببساطةٍ شديدة: «إنزلوا الشارع». ولمّا قيلَ لهُ إنّ الخوفَ من أن يموتَ الناسُ باتَ أكبر مع استلامِ الإخوان. قال جملًا ما زلتُ أذكرُها إلى اليوم: «ماهو لازم يموت ناس... مش برغبتنا صحّ، بس إنتو فاكرين الثورة 18 يوم تنزل العيال تغنّي ومبارك يمشي وخلاص؟!».


العبارةُ الأخيرةُ هي السؤال الثاني الذي يحقُّ لطلّابِ العدالةِ، وحقوقِ الإنسان، لكلّ محبّي مصرَ والمصريينَ الذينَ عاشوا وعشنا معهم أيامًا لن تمّحي من ذاكرةِ العالم بأسره، ويحقّ لكلّ من طالبوا بالحريّة من كلّ استبدادٍ مهما تغوّلَ وعسف، وفي كلّ بقعةٍ من بقاعِ  الأرض، أن يسألوه:


«إنتو فاكرين الثورة 18 يوم تنزل العيال تغنّي ومبارك يمشي وخلاص؟!»

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +