الاحتراق المستمر لأيقونة الثورة التونسية

الاحتراق المستمر لأيقونة الثورة التونسية

بعد مضي خمس سنوات على الثورة التونسية، وفي ظل حكومة تأتي وأخرى تذهب، ثمة سؤال يصرُّ أن يُخرِجَ لسانه ليشاكس منجزات الثورة التونسية اليوم: ماذا تحقق لـ«وقود» الثورة وأيقونتها؟؟ هل استطاعَ الشباب التونسي انتزاع حقه المغتصب؟؟ هل تحقق استحقاقه الأكبر، «التشغيل استحقاق يا عصابة السُرَّاق»؟؟


في إطار برنامج أغوار الذي قام به المرصد الوطني للشباب، وتحت شعار «الشباب والمشاركة في الحياة العامة»، تبينَ أن نسبة 93.9 % من الشباب التونسي لا يشاركون في العمل الجمعياتي، وأن 65,1 % يرون أن الثورة لم تحقق أهدافها التي قامت لأجلها. كما أكد سبرُ آراء الشباب حول انتخابات المجلس التأسيسي، أن المشاركة الشبابية لدى الأحزاب لا تتجاوز 22.3 %، وأغلبهم من المستويات التعليمية المتوسطة، المرحلة الإعدادية و الثانوية، وتتساوى نسبة الإناث فيها مع الذكور.


هذه النسب المتدنية من حيث المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية تدل على أمرٍ واحد، وهو عدم الثقة بالمكونات السياسية جرّاءَ يأسٍ عميق ناجمٍ عن إحساسٍ بأن أهم أهداف الثورة قد أُجهضت. فإذا عدنا إلى أهم شعارات الثورة التونسية التي خرج من أجلها الشباب التونسي، نجدُ أن التشغيل كان الرهان الأبرز والمطلب المتكرر «التشغيل استحقاق، العدالة الاجتماعية، رمزية رفع الخبز في المظاهرات» من خلال دلالات الشعارات.


نستطيعُ من خلال الواقع الذي يعيشه الشاب التونسي اليوم أن نتبينَ المشكلة، إذ يُشير المرصد الوطني في آخر إحصائياته إلى أن عدد العاطلين عن العمل من أصحاب الشهادات العليا يصل إلى 222 ألف عاطلٍ عن العمل، أي بنسبة 30 %، و600 ألف عاطل  إجمالاً في آذار 2015.


الأمينُ العالم لاتحاد أصحاب الشهادات العليا كان قد صحّحَ في وقت سابق هذه الأرقام، وذكرَ أن 350 ألف عاطلٍ عن العمل هو الرقم الصحيح فيما يتعلق بالعاطلين من أصحاب الشهادات العليا، في حين يبلغ عدد العاطلين من المستويات الأخرى نحو 400 ألف عاطل عن العمل، وتبلغ نسبة البطالة وطنيا 18 %.


تتفاوتُ النسبة حسب المناطق، لتبقى المناطق الداخلية التي تعانى تهميشاً تنموياً هو الأعلى، بحيث تصل في بعض هذه المناطق إلى 80 % وتشهدُ مدينة تطاوين في الجنوب التونسي أعلى نسبة بطالة، على الرغم من وجود المنطقة النفطية «البرمة» فيها، ومن مساهمتها بالنسبة الأعلى من العملة الصعبة، فضلاً عن موقعها الاستراتيجي على الحدود الليبية.


على أي حال فإن هذه الأرقام تبقى غير دقيقة، وخاصةً إذا ما أخذنا في الاعتبار عزوفَ الشباب التونسي عن التسجيل في مكاتب التشغيل التي تعدُّ المرجع الأول في استقصاء نسبة البطالة، وكذلك إذا ما نظرنا في وضعية الشباب الذين تم دمجهم ضمن آليات تشغيلٍ وضعتها الدولة لتقليص نسب البطالة، وهي آلياتٌ لا توفر الحد الأدنى من الضمانات المهنية أو حتى المالية.


ما يبدو واضحاً أن الأوضاعَ مترديةٌ بالنسبة للشباب التونسي، وتتمثل على وجه الخصوص في عدم توفير شغل يضمن له الحد الأدنى من العيش،  وهو السبب الرئيسي في عدم ثقته بالمكونات السياسية، لذلك نجده خارج المشاركة في المكونات السياسية التي استفادت من دمه وتضحيته وصرخته التي أطلقها في الشوارع منادياً بإسقاط النظام والعدالة الاجتماعية، وساهم في أن تكون هذه المكونات موجودةً وفاعلةً على الساحة التونسية، لنجدها تتنكر له وهي التي لم تكفَّ عن استخدامه «سلّماً» لأمجادها السياسية.


ثمة حقيقةٌ تبدو واضحة، وهي أن هؤلاء المستفيدين، وعلى الرغم من أنهم حققوا أهدافهم عن طريق القوى الشبابية والحراك الحزبي، إلا أنهم على غرار النظام السابق يحاولون أن يجعلوا من هذه القوة «قوة خدومة لا أكثر»، وواجهة دعائية لبرامجهم الانتخابية، ديكوراً لمحافلهم والورقة التي يسقطونها في حروبهم السلطوية.


هذه الحقيقة كُشفَت بعد الانتخابات، حيث تم مثلاً تجريم أي حراك ثوري من قبيل أن الاعتصامات «مش وقتها»، وحملات المطالبة بفتح ملفات الفساد وإهدار المال العام من قبيل حملة «البترول وينو»، والتي طالبت بمراجعة عقود البترول وتوزيعٍ عادلٍ للثروات على المناطق، وإدماج شباب المناطق المنتجة ضمن عجلة التشغيل، قوبِلَت بكثيرٍ من التهكمات، واعتبرت كثيرٌ من الأحزاب أنها حرب خارجية لزعزعة استقرار تونس.


سياسة الإقصاء التي تُمارَس منذ عقود تجاه الشباب التونسي، والتي جعلته يخرج للشوارع رافعاً شعار «خبز وماء وبن علي لا» و«دكاج/إرحل»، هذه السياسة لا تزال تُمارَس إلى اليوم على الرغم من اتساع المجال السياسي وتعدده نوعاً ما، في المقابل نسجّل تراجعاً اجتماعياً واقتصادياً «ارتفاع نسب البطالة، ارتفاع الأسعار»، تراجعاً يغذي النار المشتعلة في أجسام زهور تونس، في ظل احتراق اجتماعي يُغيّبُ الحدّ الأدنى من الكرامة الوطنية والإنسانية.


أوضاعٌ آلت بالضرورة إلى خسائر بشرية مرعبة، تبدأ بحالات الانتحار هنا وهناك، ولا تنتهي بالهجرة غير الشرعية التي تحولت من الهجرة نحو أوربا، إلى الهجرة باتجاه داعش، وهو ما يحيلنا إلى وضعٍ آخر أكثر تعقيداً وخطورة، ويرسّخُ الإحساس بالابتعاد التدريجي عن أهداف الثورة، وهو ما أكدته مؤسسة «سيغما كونساي» في استطلاع الرأي الشهري في تونس، حيث اعتبرَ أن أغلب التونسيين غير راضين، لا اجتماعياً ولا اقتصادياً ولا سياسياً.

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +