أوريليوس وسوءة اليورو

أوريليوس وسوءة اليورو

نالت الزيارة التاريخية للرئيس الإيراني حسن روحاني إلى العاصمة الإيطالية روما قدراً وافراً من التغطية الإعلامية الموغلة في التفاصيل، كونها الزيارة الأولى للرئيس الإيراني إلى أوروبا عقب رفع العقوبات الغربية عن طهران، ودخول اﻻتفاق النووي الموقع مع الغرب حيّز التنفيذ في 16 كانون الثاني/يناير 2016.


لعل أبرز، وربما أطرف، ما تخلل هذه الزيارة كان تغطية بعض التماثيل العارية بصناديق كرتونية في متحف الكابيتولين الشهير، حيث التقى روحاني برئيس الوزراء اﻻيطالي ماتيو رينزي. بادرةٌ، تعكس ربما، الكياسة الإيطالية في التعامل مع التقاليد الدينية للرئيس الضيف، سيما وأن الرئيس روحاني لم يطلب هذه التغطية كما نقل عنه.


كان من ضمن التماثيل التي نالتها «السِترة العرجاء» تمثالٌ للإمبراطور والفيلسوف الروماني الشهير ماركوس أوريليوس، الرجل الذي خُلّد اسمه في تاريخ روما كفيلسوف «رواقي» أكثر مما خُلّد كإمبراطور سلطوي حاكم، في الوقت الذي بقيت تماثيل مايكل آنجلو - مثلاً - عاريةً دون ستر.


إذن هي الصدفة المُرَّة التي أوقعت تمثال أوريليوس في سجنه الكرتوني احتراماً لمشاعر ضيف بلاده، لكنها الصدفة الأَمَرّ أن تكون زيارة الرئيس القادم من إيران متزامنةً مع «احتلال» بلاد الضيف لسوريا بشكلٍ علني ومفضوح، سوريا التي حماها أوريليوس نفسه ذات يوم كأهم مناطق نفوذه الشرقية، وللمفارقة، حماها من هجمات البارثيين «الإيرانيين» إياهم!


نعم لقد حَقَّ لاوريليوس أن يشيح بوجهه عن كياسة أحفاده الطليان و«تقوى» ضيفهم، حق له أن يغض الطرف خجلاً عن المليارات السبعة عشر، التي أُبرمت كعقود ستقوي عصب اﻻقتصاد الإيراني الذي أنهكته العقوبات الاقتصادية سابقاً، ويُنهك هذا اﻻقتصاد بدوره اليوم دولاً كان أوريليوس ذاته حامياً لحماها.


ما كان لأوريليوس أن يرى الضيف الإصلاحي المعتدل والمنفتح على الغرب دون سواه، والمنسق حتى مع الديدان دون العرب، والمُعَيّن أساساً لمغازلة الغرب على حساب التشدد الطائفي والتدخل العدائي في دول الإقليم الذي حكمه التمثال المغلوب على أمره يوماً ما. الضيفُ الذي استقبلت خزائنُ نظامه 50 مليار دوﻻر كجزءٍ من الأموال المفرج عنها تنفيذاً لبنود اﻻتفاق النووي مع الغرب، مليارات مُعجّلة تضافُ إلى قيمة مماثلة مؤجلة لن ترحم فاقة بلاده وعجزها، بقدر ما ستكون وبالاً يصبّ على رؤوس الشعوب المحتلة في سوريا والعراق واليمن ولبنان.. «بلاد» أوريليوس.


ما كان للتمثال أن يرى موائد التفاوض بين الضيف والطليان، وهي الخالية من المشروبات الكحولية خوف الوقوع في الإثم، بينما نظامُ الضيف ذاته يُترِع جماجم السوريين وبعض الأشقاء بدماء استحلَّ سفكها، ومدنٍ استطاب ذلها، مولياً لإثمها ظهر اﻻعتدال واﻻنفتاح، ومستقبلا قِبلَة الغرب.


لم يكن للفيلسوف الرابض على حصانه أن يستعيد مقولته «ﻻ مجد لك بمعزل عن مجد قومك»، وهو يرى قومه اليوم وهم يمدون السجاجيد الحمر من فيض دماء شعوب اﻻقليم، بل ويناقشون معه نزع فتيل الإرهاب في إقليم هو من يلهبه بالحرب والتفرقة، ويبحثون معه سُبُلَ إرساء سلام أو استقرار هو من يقوّض أي ركيزة تدعمه، ويختمون دعم جهوده بوسام استحقاقٍ رفيع!


ﻻ مبرر إذن لتصريح وزير الثقافه الإيطالي «داريو فرنشيسكيني» حين قال إن تغطية التماثيل أمرٌ «غير مفهوم». هو مفهوم جداً لنا، كعربٍ على الأقل، طالما أصبحت حتى الطرق المعبدة بدماء قوم أوريليوس، توصل إلى روما.

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +