أن تكون امرأة سورية

أن تكون امرأة سورية

نعم.. ماذا لو كنت امرأة سورية، مات الزوج أو الأب أو الشقيق، سافر أو هاجر أو اختفى، أو ما يزال في الطريق نازحاً إلى بلدان أوربية وانقطعت أخباره تماماً، وترككِ مع أطفال يتامى تحت نيران تسقط كل يوم فوق رأسك، تلك التي تحوّل أطفالِك إلى أشلاء مبعثرة لا تستطيعين التعرف عليها، ماذا ستفعلين وأنت العزلاء، لا مال ولا أهل ولا سند، غير أن تقاومي وتقرري الرحيل بنفسك، حاملة أطفالك فوق ساعديك الواهنتين، فأنت امرأة سورية، بلا عائل أو مساعد أو معين، عليك أن تكوني أكثر قوة من الرجال أنفسهم، وأنتِ – كامرأة – تحملين أطفالك فوق كتفيك، وتهربين، سيكون عليك أن تتعاملي مع المهرّبين، تفاوضين في المبالغ المالية التي يطلبونها، وتحاولين أن تتفادى نظراتهم المصوبة ناحية جسدك العفيّ، ولسان حالهم يقول: لو كنت لا تستطيعين الدفع بالمال، فثمة ما يمكن أن يدفع.


تقول الأخبار: «أعلنت منظمة اليونيسف أن أعداد النساء اللاجئات تفوقت للمرة الأولى على أعداد الرجال منذ بداية أزمة اللاجئين في العالم، أن أعداد الأطفال السوريين النازحين تضاعفت ثلاث مرات خلال الشهور الست الأخيرة. أن 60% من اللاجئين الذين عبروا الحدود اليونانية المقدونية أخيراً من النساء والأطفال، معدل يفوق بكثير معدلات العام الماضي، الذي شهد في شهر يوليو (تموز) 2015 تفوقاً في أعداد اللاجئين الرجال بنسبة 73% عن أعداد اللاجئات... أن اليونيسف أعربت في بيانها عن قلقها، خاصةً من ارتفاع أعداد الأطفال والقُصر الذين يتعرضون للموت غرقاً بشكل يومي عند محاولة العبور من تركيا إلى اليونان».


تقول الأخبار: «هناك الآن من بين اللاجئين الذين نجحوا في العبور إلى اليونان من تركيا 36% من الأطفال، بينما في يونيو (حزيران) من العام الماضي كانت نسبة الأطفال والقاصرين لا تتعدى الـ 10%، ومن بين 272 لاجئاً غرقوا أثناء العبور في يناير (كانون الثاني) الماضي،  كان هناك 60 طفلاً وقاصراً من بين الضحايا».


نعم يا صديقي المهرِّب، المتاجر في الدم والأرواح، أنا امرأة سورية شابة، تحمل أطفالها كي تنجو بهم من آتون النيران التي تستهدف الأطلال المتبقية التي يحتمون بها في حلب أو حمص أو درعا أو مضايا أو... أو...، ماذا تريد كي تنقذها من هذه الحرب التي تفرّ منها، جسمها؟ شبابها؟ جمالها؟ بعد كل الذي دفعته لك عن طيب خاطر، آخر ما أملكه من مال بين يديك الآن، وأنت مازلت تريد المزيد؟! دعني أفرّ من الموت المحيط بي وبأطفالي، دعني أستقل قاربك... نعشي المنتظر... تابوتي المحتمل... ومأواي الأخير في بطون الأسماك التي ستأكلني قطعة قطعة مع لحم أطفالي الغض، اعطني سترة النجاة المزيفة من الغرق، تلك التي صنعها الأتراك كي يستفيدوا من مأساتنا، سترات النجاة من الغرق، تلك المغشوشة التي صنعت من مواد غير قابلة للطفو، نعم، هذه... اعطني أربعاً، واحدة لي، وثلاثة لأطفالي، بكم؟! مائة دولار للقطعة الواحدة؟! هاك أقراط أذني الذهبية، هاك أساوري، هاك خاتم زواجي من زوجي الغائب أو الميت أو الذي لا أعرف عن مصيره شيئاً، خاتمي الذهبي، عيار 24 ومن صناعة حلب، هاك كل ما أملك، ودعني أمرُّ في قاربك، احجز لي مكانين ليس إلا، سأحمل هذين الطفلين فوق ركبتيّ، وسنكون اثنين فقط على قاربك المزدحم بالنازحين والهاربين من الموت، لن آخذ من قاربك سوى مكانين فقط، رغم أنني دفعت لك ثمن أربعة أماكن، سأحمل هاذين الطفلين فوق ركبتي، إكراماً لك.


أن تكون امرأة سورية في هذا الزمن ابن القحبة، هو أن تكون عشرين رجلاً في صورة امرأة، وهذا كثير.. كثير جداً.

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +