أعداؤنا الحقيقيون

أعداؤنا الحقيقيون

«إيران مش خاسرة من الحرب حاجة في اليمن، بل إنها فرحانة بمن يفجرون في الحدود مع السعودية، وحين تأتي السعودية وتدمر اليمن كله، مايهمش الأمر لإيران أبداً». هذا هو حال اليمني البسيط، بعد أن أدخلته الميليشيا الحوثية إلى أتون حرب الوكالة الإقليمية.


على أن ما يحدث في اليمن هو صراع المراوغات إذا جاز التعبير، وكل مراوغٍ سيأكل نفسه في النهاية. وفي حال لم تتوحد المقاومة على أساس وطني جامع، وخلف شعار واعٍ بإرادة استعادة وصنع المواطنة المتساوية والدولة العادلة، فلن تنجو اليمن أبداً. ذلك أن من أبرز أخطاء المقاومة أن من يقاومون لأنهم ضد المجوس الروافض، هم تماماً مثل الذين يعتدون لأنهم ضد النواصب الدواعش. كلهم مسوخٌ باختصار، لكن بما أن هناك تحالفاً دولياً لضرب الحوثي، فما المانع من وجود تحالف دولي لضرب القاعدة أيضاً؟ إن الحالة الحوثية مثل الحالة الداعشية، عبارة عن مقبرة هائلة ليس إلا؟ ويعرف كل يمنيٍ حالمٍ ومستنير أن للفاشيات الدينية شعاراتها اللاوطنية، التي تعمل بكل طاقتها على فرضها. ثم إن الإصرار على استمرار هذا الجحيم العبثي، سيجعل جميع أطرافه يقطرون أحقادهم ضد بعضهم -وضد الشعب -حتى آخرها، وفي النهاية لن يجدوا حتى فرصة للندم!


فظيعةٌ هي الحرب التي لا تفضي إلى السياسة بكل تأكيد، وفظيعةٌ بشكلٍ أكبر السياسة التي تفضي إلى الحرب! ولعل من أسوأ مفارقات الذين تحركهم نوازع الخوف من الطغيان، أنهم يفضلون ممارسته بشكل مضاعف، بل ويتوسلونه بشتى الطرق كدربٍ للنجاة! لقد تهورت الميليشيا الحوثية وصادرت ما تبقى من سلطة الدولة، كما خاضت فعلها التأجيجي في سياق الصراع الإقليمي، حتى تحول سلاحها إلى أداة قهرٍ إجرامي مجتمعي أكثر من فادح. وحتى اللحظة لا يبدو أن سلاماً سيحضر قريباً غايته النهوض من الركام، فبينما تتوغل البلاد أكثر في أقاصي العنف، يدفع اليمنيون أكلافاً فادحة لذرائع مراكز القوى وصراعاتها وانانياتها. والشاهد أن القاعدة وميليشيات الحوثي يجمعهما همٌ واحدٌ مشترك، هو ترهيب المجتمع وإهانة فكرة الدولة الوطنية، وصولاً لتقاسم النفوذ الطائفي الذي يفضي للسلطة الدينية لا المدنية، كما يشرخ ويشوه الذات اليمنية في الصميم.


في السياق، يمكن القول إن كل مقاوم أو سياسي أو مراقب وطني لم يدرك ذلك بعد، سيصب في خانتهما فقط . أما الآن فالسلاح يزداد على الأرض وحنفية الدم لا تتوقف، وانهيار الأحوال الإنسانية والاقتصادية والمؤسسات والنسيج الاجتماعي في أشد صوره. أما الاستخفاف بتداعيات الحرب وجروحها المتفاقمة، فهو العمل الساذج المكلل بمختلف الرداءات والأوهام التي تواصل مغالطتنا وتشويهنا باسم الوطنية. وبالمحصلة فإن انغلاق الأفق باستمرار خطيئة الحرب وانحطاطها ومآسيها، هو ما يعزز وبشدة سيناريوهات إطالة أمد الأزمة كسوريا، فبدلاً من توحد اليمنيين حول ما يجمعهم من أمل وحلم بشأن المواطنة والدولة، ستهندسهم الحرب على ما يفرقهم أكثر، ما يعني عدم تجنيب اليمنيين قعر الجحيم، الذي ينزلقون إليه تارة بإرادتهم، وتارة بإرادة مراكز القوى الإقليمية، تلك القوى التي تزداد انشراحاً بعدم توقف الحرب في اليمن، بينما تمعن في إبقائنا داخل حالة التيه حتى آخر قطرة دم يمنية.


الأشد «قرفاً» في هذا كله بالطبع هو شعار الحوثيين الذي يلطخنا على مدار اليوم: الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل، ذلك أن عدوي الحقيقي اليوم كيمني هو الاستبداد الداخلي والطائفية والتخلف، وليس أمريكا وإسرائيل.

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +