ملاحظات في السياسة

ملاحظات في السياسة

رغم وجود كليهما في منطقة ذهنية جمعية واحدة، فالفرق بين قطاع الطرق واللصوص شاسع، يمكن أن يشكل فهمه نافذةً لرؤية الداخل، وبعض الخارج السوري.


يمكن لقاطع طريق واحد أن يحكم ثلة من اللصوص، ويمكن لعصابة من اللصوص أن تحوي بضعة قطاع طرق، ينتظرون الفرصة للانقضاض على الكرسي/السلطة، إذ لا يمكن للص أن يتزعم قطاع طرق لمدة طويلة.


لا يسرقك قاطع الطريق وأنت نائم، بل جهاراً يطالبُ بحقه الذي اكتسبه بوجودك في المكان والزمان الذي يتواجد فيه هو. عندها يتفنن في إظهار نفسه، وربما هذا السبب الذي يبرر (في الثقافة الشعبية) قذارتهم كبطولة، بعذر عاطفي ناشز يتقن صنعه العقل الجمعي.


عن العقل الجمعي: هناك ثقافة شعبية تهلل لقطاع الطرق وتسخر من اللصوص، ثقافة شعبية عالمية. قصة روبن هود تبريرٌ شاعريٌ توارثته الشعوب المضطهدة لوجود قاطع طريقٍ أعلى هرم السلطة، بالمقابل قصة اللص الظريف تبقى فردية -كلتاهما تعتمدان على كاريزما البطل الذي يخالف القوانين- لكن القصة الثانية تحمل بذور دمارها داخل بطلها الفردي، عكس قصة روبن هود التي تحمل بذور استمرارها، لأن العقل الجمعي يحتفل بقوة الفرد الواحد ضمن جماعة تفتقر لهذه القوة!


كبعض قطاع الطرق الطموحين، يصل إلى السلطة في لحظة متخيلة هذا البطل، الديكتاتور، المهرج. يبتاع الكذب، لكي يقتل الأصالة التي لا ينتمي لها، ليبرر وجوده المارق. لديه لصوصٌ صغار ولصوصٌ كبار، إنهم خط دفاعه الثالث عن نفسه. ومعاونوه والمقربون منه من قطاع الطرق الأقل طموحاً يكونون خط دفاعه الثاني، وأجزم أن لديه جهازاً أمنياً/استخباراتياً من اللصوص الصغار والمستفيدين، والخائفين، وهم خط دفاعه الأول.


أول ما يتم العمل عليه هو التعاريف الأساسية التي تشكل بوصلة المجتمع، كرفض الكذب، الوصولية، القتل، احترام الحياة، الآخر، المختلف، كل ما يجعل المجتمع ينمو نمو عضوياً كشجرة نحو الأعلى سيتم هدمه. يريدُ الديكتاتور بوصلةً تشير باتجهاهه هو فقط. الاختلاف هو أكثر ما يخيف هذا المهرج، الآخرُ المختلف هو الامتحان الذي تكتشف فيه نفسك، فتعدل البوصلة لتبقى مشيرة للأعلى، ولا مصلحة لقاطع طريق ببوصلةٍ لا تشير إليه. ستكون هناك قصصٌ متداولة، ومعاركُ وهمية، وأعداءٌ هم الآخرون، وحالاتٌ طارئة دائماً هي أبدا من أي فرد، وقضيةٌ أكثر أهمية واستعجالاً من حياة أي إنسان. المنطقُ عدوٌ آخر، الأصالة هاجسٌ يؤرق وجوده المارق، لن يقربَ من الأصيلين أحد، بل سيُرفعُ صورياً الفردُ الأكثر عتهاً من المجموعة.


لا يبدأ كل ديكتاتور أو مهرج كقاطع طريق، لكن كل قاطع طريق، أو متخرجٍ من مدرسته، هو ديكتاتور، مهرجٌ مجنونٌ برتبة آمر.


هل أحدثكم بسر، ابنه لن يكون قاطع طريق، بل ابن مهرجٍ مجنونٍ بسلطته، وذكائه، وألعابه.


سرٌ آخر، لن يكون في بطانته أي شرفاء.

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +