بشير هلال، صديق الناس وثوراتهم

بشير هلال، صديق الناس وثوراتهم

مرّت قبل ثلاثة أيام الذكرى السنوية الأولى لرحيل الحقوقي والكاتب السياسي اللبناني بشير هلال، الذي توفي في باريس بعد صراعٍ لم يدم طويلًا مع مرضٍ عضال، لم يمهلهُ كثيرًا قبل أن ينتصرَ عليه في عاصمة النّور، ليعودَ بشير هلال إلى قريتهِ الصغيرة في جبل لبنان، ويوارى الثرى فيها، بعدَ رحلةِ اغترابٍ عنها دامت أكثر من ثلاثينَ عامًا.


وبشير هلال، الذي بدأ حياتهُ في لبنان محاميًا، وناشطاً في الحركتين العمّالية والطلّابية، قبل أن تأبى عليهِ نفسُهُ البقاء في ظلّ حربِ الأهلِ التي استمرّت أكثر من خمسة عشرَ عامًا، فانتقلَ إلى باريس في العام 1984 ليعيشَ هناك حتى وفاته، لم يكن ذا مكانةٍ في الأوساط اللبنانية وحسب، إذ إنّهُ كانَ على طولِ مسيرته داعمًا لحقّ الشعوب في حياةٍ حرّة كريمة، وكرّسَ حياتَهُ خدمةً لهذا الهدف، من خلال المقالات الغنية التي واظبَ على نشرِها في دوريات عربية وفرنسية بعد امتهانِه الكتابة السياسية في فرنسا. كان بشير هلال من معارضي احتلال لبنان من قبل الأسد وجيشه، وظلّ كذلك حتّى خروج الجيش السوري إثر اندلاع انتفاضة الاستقلال في بيروت عقب اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، وكانَ من مؤسسي حركة اليسار الديمقراطي صحبة ثلّة من ألمع الشخصيات السياسية والثقافية في لبنان، وفي مقدّمتهم الشهيد سمير قصير. كما أنّ هلال، كُلّفَ بمنصب المسؤول عن ممثلي قيادة الحركة في أوروبا. وكانت المكتبة التي أسسها في شارع «كاردينال لو موان» مستقرّاً لأيّ من قياديّي الحركة، ومكانًا يجمعُ الشخصيات الفكرية والثقافية العربية لتبادل الآراء والأفكار، بشكلٍ جعلَ بشير من الأسماء القليلة التي حظيت بما يُشبهُ الإجماع، حتّى من قبلِ خصومهِ، الذين إن استطاعوا أن يختلفوا معه في الرأي والموقف، ما استطاعوا إنكارَ إنسانيته الفريدة ولطفهِ الباذخ.


لم يختلف بشير هلال خلال سنوات الربيع العربي الأخيرة، فكان على عهدهِ بالدفاع عن الناس أينما كان، وفي وجه أي استبداد. وحيال الثورة السورية تحديدًا، اعتُبرَ بشير واحدًا من أهمّ الداعمين للثورة السورية في فرنسا، وكرّس نشاطهُ لخدمةِ السوريين، إن في فرنسا من خلال الجهد العمليّ واللقاءات والعلاقات الواسعة بالأوساط الفرنسية، أو من خلال مقالاته الدورية. حتّى اعتُبر وسُمّي بـ «صديق السوريين».


ولعلّ هذه الصفات تجلّت في حالة الذهول التي أصابت السوريين قبل اللبنانيين إثر وفاتهِ التي لم يكُن مُعدّاً لها، ولم تكُن متوقّعةً. وفي المراثي التي كتبها فيهِ أصدقاؤهُ ومعارفهُ ومتابعوه، ولعلّ ما قالهُ حينَ ذاك، الكاتب والناشر والمفكّر السوري فاروق مردم بك يلخّصُ ما يُمكنُ أن يوصفَ بهِ الراحل، حين كتبَ على صفحتهِ في موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك:


«اتّصف بشير هلال، قبل أيّ صفةٍ أُخرى، بأناقة الروح. هي سرّ مواقفه السياسيّة النبيلة.


خلال ثلاثين عاماً، بأيّامها الحلوة وأيّامها المُرّة، كنت في آخر كلّ لقاءٍ أودّعه بالعبارة ذاتها: «للحديث صلة»، وكنت أحرص ممازحاً على أن يخرج حرفا الثّاء والصّاد من موضعهما الصحيح في فمي، فيضحك...


لن يغيّر الموت عادتنا القديمة.


وداعاً يا بشير، وللحديث صلة».

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +