بلبل الشام

بلبل الشام

يكاد لا يختلف اثنان على موهبته، وحِرَفيته، وأيقوناته السينمائية «الفهد، بقايا صور، كومبارس، ونابالم)، وأفلام أخرى عديدة يحتاج كلٌّ منها إلى شهادة خاصة.


هنا، أريد أن أذكره انساناً، أن أعيد ما قاله لي يوم عرسي أنا وديمة ونحن على الإسكة، حيث عانقنا وهمس لي: هذا أهم سيناريو ستكتبه في حياتك.


نبيل المالح، يتخّذ من السينما أسلوب حياة، في طريقة تفكيره، وإيماءاته، وتعامله.


ثنائية القمع والحريّة عناصر لقطاته، وأوجاع السوريين وهمومهم مادة أفلامه، والثورة خلاصة ما كان يريدنا أن نصل إليه في مجمل نتاجه.


عرفته حين كنتُ طالباً في المعهد العالي للفنون المسرحية، وكان هو أستاذاً، بل لِنقُل كان صديقاً للجميع، إذ كان لا يسمحُ لك أن تلمس فارق العمر والقدر بينك وبينه، لدرجة أنه يدفعك لأن تناديه في اللقاء التالي بـ: بلبل.


استعنتُ به أكثر من مرة في تعليم الورشات التطوعية، لهواة صناعة الإفلام، فلم يتردد يوماً في المشاركة، كما لو أنها قضيته الشخصية، إذ كان يعتقد أن أي انسان سوري إضافة إلى محو إميته، ينبغي أن يكون سينمائياً.


كان يكفي أي هاوٍ أن يقول له أريد أن أصنع فيلماً، ليجيب: حسنٌ، خذ كاميرتي وعدّة الإضاءة الخاصة بي، ولتفعل ذلك.


مرةً حاورته في لقاء صحفي، فقال:


مهنتنا هذه تشبه مهنة طيور المناجم، إذ يستخدم عمال المناجم بعد أن يفجروها بالديناميت، طيوراً لتستكشف لهم كمية الأوكسجين في الأنفاق. فإن ذهبت وعادت، أكملوا المسير، وإن لم تعد فهذا يعني التوقّف، لأنها تكون قد ماتت اختناقاً!!


في دبي، وعلى مدى ثلاث سنوات التقيته مراراً.


كان مهموماً دائماً، بأن يحصل على تمويلٍ لصناعة أفلامٍ عن القيامة السورية.


وهذا ما تسنّى له أخيراً، حيث كان يكتب فيلماً حكى لي ثيمته الرئيسية، وطلب إلي أن أكتب له كلمات أغاني الفيلم، غير أن المنية وافته قبل أن ينجز ذلك.


نبيل المالح


مبدعٌ بستة عيون، وثمانية آذان، واثنا عشر روحاً، لذا هو ذوّاقٌ، في الفكر والأدب والموسيقا والفن، وحتّى في السياسة.


أستاذٌ لمن كان يريد أن يتعلّم.


ورفيقُ مشوار لمن أراد أن يمضي.


قال لي، زرت باريس منذ فترة، وشاهدت عرض فيلمي الكومبارس من جديد، وضحك معقباً بتواضع: والله اكتشفت إني ماني بطّال، وبعرف أعمل سينما بفرنكين.


منذ حوالي شهر، مررت به، وأخذته ليسهر مع أفراد أسرة الرواق، وفي نهاية السهرة، مررنا بصيدلية وسأل عن دواء خاص بمشاكل القلب.


الصيدلي أخبرنا أن الدواء سيكون موجوداً في اليوم التالي.


وبالفعل في الأيام التالية ذهبتُ أنا وديمة هنيدي وجلبنا الدواء، غير أن حالته الصحية كانت قد تدهورت، ولم يعد ينفع معها حتى هذا الدواء.


والآن أنا أكتبُ هذه الكلمات، والدواءُ ما يزال في ثلاجة بيتي.


وقلب نبيل المالح، هناك، تحت تراب مقبرة «القوز» في دبي.


وعالشّام عالشّام... يا بلبل الشّام.

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +