مرافعة شخصية جدّاً

مرافعة شخصية جدّاً

تعلمُ أنك حتى لو لم تنم ليلة الأمس، سوف يكون هنالك ليل، لن يتغير الحال أبداً سوى أنك لم تنم، لوحدك! ولن تتوهم أنك حارس الحياة المخلص، أو أن صحوك ينقذ بعض الأشخاص من الموت المحتمل إن أنت غفوت.


تعلمُ جيداً، أنك لو لم تقل كلمةً للصبية التي إلى جانبك في القطار، فإنها لن تقول لك: شكراً... أنت كائنٌ لطيف. ولا بد تعي أيضاً أنك فيما لو لم تقل لها إنها جميلة جداً، فإنها لن تلقي بنفسها تحت الميترو وتنتحر، لأن شاباً وسيماً لم يغازلها.


تعلمُ أن النملة التي لم تدهسها في الطريق بدون اكتراث، سوف لن تدخل الجحر وتمسح عرقها أمام صديقاتها كما لو أنها نجت من برميل متفجر، أو رصاص قناص يقطع الشارع الذي تعبره وهي تجيء بالقمح استعداداً لكسل الشتاء. النملُ لا يفكر بهذه الأشياء عادةً، كن مطمئناً.


تعلمُ أنك إن لم تتوقف عن تناول الخبز والبطاطا والأرز كما لو أنها إكسير خلودك، لن تحظى بالجسد الرشيق الذي يتمتع به شاب رأيته يخرج من النادي تواً. وعليك أن تعلم أن توقفك عن إكسيرك هذا لن يفيدك في أن تصير جوني ديب، ولا حتى مارك أوفرمارس، وأقصى ما يمكن أن يفعله هو أن يخفف شخيرك أثناء النوم، ويخفف عن ركبتيك المسكينتين إذا صودف ودخلت الحمام ولم يكن حماماً «إفرنجياً»، فادرس أسبابك جيداً قبل التوقف عن الخبز!


تعلمُ إنك إن شتمت الرئيس صباح مساء، فإنه سوف لن يسقط، ومن المؤكد أن أحداً من الشهداء لن يعود؛ تلك بديهيات يا صاحبي. لكنني أظن أنه من الواجب إعلامك أنك أيضاً لن تتبوأ مكان جورج حبش، أو جورج حاوي... أو أي جورج في العالم! ولن تنام في ملجأ أو نفق أو تحت جسر مائي، ولن يكتب عنك محمد حسنين هيكل شيئاً «غير نزيهٍ طبعًا»؛ ولن يعود غيفارا من تربته البعيدة ليعدّل في مذكراته «ويدحش» اسمك إلى جانب أسماءٍ أخرى. وبالمناسبة؛ لن يفعل ذلك خالد العظم أيضاُ.


تعلمُ أن دخولك إلى صالة السينما لن يحوّل الضوء المُسقطَ على الشاشة إلى الباب الذي ستعبره ليرافق شخصك الكريم حتى المقعد المخصص لك، ولا أعلم إن كان لابدّ لي من تذكيرك أن لا مقاعد مخصصة لك أصلًا. سوف لن يقف الحاضرون ويصفقوا لدخولك، وتتهاوى صبية فاتنة جالسة على المقعد الجانبي في الصف السادس حين تشم رائحة عطرك. ولكن، وتفادياً للإحباط، يجب أن تعلم أن أحدهم لن يتقزز أيضاً من جراء وصولك. لن يحدث أي شيء، كما لو أنك لم تدخل أصلاً، هكذا مثل ورقة لوتو تسحبها، وأنت تعلم أن نسبة فوزك بالجائزة، قد تساوي نسبة فوزك بالجائزة ذاتها فيما لو لم تسحب الورقة!


أحسبُ أنك تعلم أن القصيدة التي تقرؤها في نادٍ ليلي صاخب لن يسمعها أحد، أن رياحك التي لا تغتنمها حين تهب سوف تُسقِطُ قميصك الأبيض الذي تحب عن حبل الغسيل فيتسخ، وتضطر لارتداء الكنزة البشعة. أنك إذا أفقتَ على صوت المنبه صباحاً وضربته بالحائط، لن تستيقظ. أن أسنانك التي أهملتها لثلاثين عاماً سوف تلتهب دائماً، أن تكرار الوعود يقضي على الصدق، أن إخفاء الانزعاج والصراخ يرفع الضغط، أن إخفاء الأورام يفجرها. أن الحياة التي لا تعيشها الآن، لن تعيشها لاحقاً. أن توقيع العرائض لا يضيف لاسمكَ شيئاً، أن تسجيل الموقف يحتاج إلى ورقة وقلم وآلة حاسبة، وأن الشمعة التي أشعلتها تحايلٌ ساذجٌ على الظلام.


أن كتابةَ شيء كهذا ستنتهي بعد ساعة على الأكثر، ولن تستغرق النهار بطوله كما تظن، وستصاب بالملل بعدها. أن حرصك الزائد على النظر إلى الحُفَر خشية السقوط في إحداها يحرمك من اكتشاف الطريق، أن الموتى الطازجين لن تُضاف أسماؤهم إلى الكتب المقدسة، أن الشخص الذي تبحث عنه خارجاً لتقتص منه بعد أن سرق حياتك كلها وأفسدها، ليس خلف الباب، عليك أن تبحث في الداخل حيث تقيمُ المحاكماتِ العادلة.


ومن نافل القول إن المحاكمات العادلة لن تحدث أبداً ولا في أي مكان، إذا لم تغلق الباب أولاً وتقيمها لهذا الشخص، الشخص الذي يكتبُ، أو يقرأُ الآن هذه الأشياء!

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +