متلازمة جحر الأرنب

متلازمة جحر الأرنب

أنت في مكانٍ استلمه منذ زمن بعيد قاطع طريق «كروبن هود!»، وأصبحَ المالكَ الرسمي للمكان، ولم يترك بطلاً آخر غيره، بل خلّف بعده كثيراً من اللصوص الصغار، وقطاع الطرق قليلي الطموح.


الإحباط الرمادي الذي صنعه نظام قطاع الطرق هذا، بطبقاتٍ وطبقاتٍ من القوانين المعطلة والأهداف الخالية من غاياتها، أدى إلى ضياع قيمة الفرد من أجل قيمة جمعية يمثلها قاطع الطريق وحده، وحده فقط.


تعيشُ كالمجذوب داخل دوامة، أو كأنك مصاب بمتلازمةٍ ما، والمتلازمة لها مجموعة أعراض مختلفة مجتمعة، ذات مصدر واحد، بعوارض يبدو وكأن لا رابط بينها، لكنها مرضك، واقعك الذي تعيش فيه.


في الداخل لا شيء يبدو منطقياً، الحياة عبثية لكنها ممنهجة بعبثيتها، أي مرتّبة ومدرّجة بأعرافٍ تحميها من العقل. كأنك في بلاد العجائب، في مملكة القلوب السوداء، التي تحكمها بنت البستون. لكنكَ لست «أليس»، ولست الأرنب، ولا من الحاشية التي مهمتها التهريج للملكة بنت البستون والترويحُ عنها. أنتَ واحدٌ من الجنود، ورقةٌ من أوراق اللعب، لخدمة بنت البستون، لحماية بنت البستون... منك!


مرحباً بك في جحر الأرنب، ربما هي متلازمة جحر الأرنب إذن! والحكايةُ لا تنطبق على الداخل السوري قبل الثورة فقط، بل في زمن الثورة، في الداخل، والخارج، وحتى الآن. يبدو أن متلازمة جحر الأرنب تسللت إلى دواخلنا أكثر مما كنا نعتقد، حملنا جحر أرنبٍ صغيرٍ داخلنا وأغرقنا في جنوننا، وبعضنا أخذ الجحر معه إلى الخارج، وإن كنا بحسن نيةٍ قد طالعنا جنيف واحد، وبشكٍ تابعنا جنيف اثنان، وبسخريةٍ راقبنا جنيف ثلاثة.


أميركا لن تقصف داعش بشكل يمكن أن يفيد نظام الأسد الذي تعارضه، لكنها الآن فقط ستؤجل عداءها له مقابل عدائها لفزاعة داعش التي صنعتها هي نفسها منذ قليل، مع مخابرات النظام، ومخابرات إيران، ومخابراتٍ أخرى. أمريكا تدرب فِرَقاً تحارب مع هذا، وفِرَقاً أخرى تسمح لها بالوقوف مع ذاك.


تركيا بالُها مع الأكراد، ويداها مع الناتو، وعيناها على أوروبا، وفي حِجرها كثيرٌ من السوريين المتعبين الآن. وروسيا تقصف المعارضة، كل المعارضة، وبقرفٍ، تبدو مستعدةً لقصف النظام نفسه إن هو فكر في معارضتها.


هدنةٌ أميركية-روسية في محاولةٍ لإعادة إحياء المفاوضات، والذهاب نحو الحلقة الرابعة من الصفقة «العادلة»، لإنهاء الحرب! الروس والأميركيان والإيرانيون، ومعهم النظامُ البائس، اتفقوا على اللعبة، والهيئة العليا تستغرب، تستهجن، تشجب، وبعضٌ من الحاشية التي كانت تهرّجُ لبنت البستون، أصبحت جواكر معارضةً لبنت البستون، تتصدرُ شاشات التلفاز كما كانت تتصدر شرفة الملكة، تطالع الألعاب في الأسفل، وتتابع التهريج.

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +