أشكال ألوان| قلّه منين بتعرفها كذبة؟

أشكال ألوان| قلّه منين بتعرفها كذبة؟

ربما يبدو من المستغرب في مجتمع محكومٍ بالاضطهاد حتى في مناهجه الدراسية، أن يتم التركيز على جزئية في مناسبة معينة. وقد يبدو منطقياً، في ظلّ العجز التام الذي يواجهه السوري في نيل أبسط حقوقه كإنسان، أن يلجأ إلى الجزئيات لينفّس غضبه من تراكم الظلم، الذي يتحوّل إلى مظلومياتٍ شيئاً فشيئاً.


في يوم المرأة العالمي، سادَ الحدثُ أجواء السوريين في مواقع وسائل التواصل الإجتماعي، واندلعت حروب لطيفة إذا صح التعبير، فالمرأة هي الأم والأخت والزوجة في رأي البعض، وهذا التوصيف هو تعبيرٌ عن الاحترام والمحبة. في حين يرى آخرون أن هذا التوصيف هو تهميشٌ للمرأة وإلحاقُ لها دائماً بذَكَرٍ ما، و«حلها إذا بتنحل».


في يوم المرأة:


يطيبُ للمتدينين شتم الغرب، وتدبيج المقالات في سوء أوضاع المرأة الغربية، وتمتد لتشمل التفكك الأسري، وطبيعة العلاقات، مستشهدين بمقولات منسوبة لشخصيات غامضة، أو مشهورة، لا يمكن التحقق من صحتها بأي طريقة، عن إعجابهم بأوضاع المرأة في المجتمعات الشرقية، وافتتانهم بالقوانين السماوية التي كرمتها.


في حين يبدعُ أنصار النموذج الغربي في البحث عن الفتاوى العجائبية، والحالات المتطرفة، والنماذج الغريبة في الشرق، مستحضرين حالات نجاح المرأة الغربية، وكأن هذا النجاح كان بمعزل عن تقدم المجتمع الغربي بأسره، وعن نيل الإنسان الغربي، بغض النظر عن جنسه، لأغلب حقوقه.


أعترفُ أنني لو كنت امرأةً لما عرفت أين يجب أن أعيش، في الشرق أم في الغرب؟


قلّما تسمع كلاماً موضوعياً في هذا اليوم، فإما أن تسمع من يغرق في المديح، وفي الإطراء، وفي وصف العلاقات الاجتماعية المتوازنة، الناضجة، القائمة على المساواة الحقيقية في الحقوق والواجبات، حتى تخاله بعد لحظات ذلك النائب العجوز في مجلس الشعب الذي ظهر في فيلم «طوفان في بلاد البعث» للراحل عمر أميرلاي، حين أراد إثبات أن البعث عزز مكانة المرأة فقال: «المرأة هي نصف المجتمع.. بل ثلاثة أرباع المجتمع».


وإما أن تسمع مراثٍ ومناحات، عن المآسي التي تحكم كل تفاصيل حياة المرأة، والجحيم الذي تعيش فيه، والظلم الذي تعاني منه في كل شيء، حتى في صبغات الشعر. فتشعر بأن كل نساء البلد قد تحولن لـ«شريهان» في فيلم الطوق والإسورة، وأنهن جميعاً مدفوناتٌ وهنَّ على قيد الحياة.


وتكتمل الصورة الكاريكاتورية في النظريات التي تبحث أسبابَ ظلم المرأة، والتي تكاد تُجمِعُ أن السبب هو الرجل.


الرجل هو الأم التي تميّز ابنها عن بناتها.


الرجل هو الأم التي تريد تزويج ابنها بثانية، لأن الأولى لم تنجب له إلا البنات!


الرجل هو المرأة التي قَبِلَت أن تكون زوجةً ثانية.


الرجل هو اجتماع النساء في إحدى الصبحيات، للتداول في أمر الفتاة التي هربت مع حبيبها.


الرجل هو الخطابة، التي تزوج ابنة الـ 14 عاماً.


وهكذا تراكمَ لدي الشعور بالذنب حتى تحوّل إلى عقدة حقيقية، وبتُّ خجلاً من الجرائم التي ارتكبتها فصيلتي بحق شريكاتها في الحياة.


بقليلٍ من الهدوء:


نحن أبناء مجتمعات مضطهدة مسلوبة الحقوق، نمارسُ تفريغَ الغضب والاضطهاد على بعضنا في دوائر شبه مغلقة، وربما يكون أي بحثٍ في حقوق شريحةٍ بعينها، أو فئة دون غيرها، ضرباً من العبثية التي تتجاوز كل منطق. لا يمكن أن نعرف ما هي «حقوق» المرأة المسلوبة في مجتمع كل حقوقه مسلوبة، وربما بعد أن نحصّل الحد الأدنى من حقوقنا كبشر، سنستطيع استكمال حلمنا بإنصاف الجميع.


وإلى ذلك اليوم لا بأس من اعتماد الحكمة القديمة: «ابنك على ما ربيتيه.. وجوزك على ما عودتيه»... ينعاد عليك سيدتي.

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +