أشكال ألوان| النّساءُ النّساء!

أشكال ألوان| النّساءُ النّساء!

لم أحتفل بيوم المرأة قبل السابع من آذار عام 2006، في الحقيقة كانت المرة الأولى التي علمت فيها أن كثيرات يحتفلن بيومنا العالمي نحن النساء! فنحن السوريات والسوريون موسومون بثامنٍ من آذار يختلف عن كلّ العالم.


تلك الليلة اكتشفت أننا أكثرية، نحن نساء المحافظة اللاتي اجتمعن تحت سقفٍ ينضح بالضحكات والأنشطة والمسابقات والأغنيات، تعرّفت ليلتها على كثيرات ممّن جئن ليحتفلن بأنفسهنّ، مدرّسات وممرضات وطبيبات وربّات بيوت، أمهاتٌ وعازبات، أرامل ومطلّقات، يا لهذا الكم من الجمال الذي لم أظن يوماً أنني سأحضره!


في اليوم التالي ذهبت إلى عملي كمن يحمل سراً مغرقاً في الخطورة، علّقتُ ابتسامة لاإرادية على وجهي، فَضَحَت كلّ الفرح الذي حظيت به، وجعلتُ أراقب النساء المارّات أمام باب المكتب الزجاجي، وأتساءل بخبثٍ كلما لمحت إحداهن: «أتراها تدري أنّ اليوم عيد المرأة؟».


لخمس سنوات قبل اندلاع القيامة السوريّة وأنا أتردد إلى هذا الاحتفال، وأعتبره سراً أضيفه إلى قائمة طويلة من أسراري التي لا تنتهي، ولكنّني وبفرح طفلٍ تمرّغ بالشوكولا للمرة الأولى في حياته، اكتشفت أنني كنت أقبض نصف الحقيقة فقط! أما الحقيقةُ كاملةً فلا شيء أكثر عظمة من ثورة قد تُجليها، وأن النساء اللاتي كنت أسخر منهنّ ضمناً بشكل أو بآخر، هنّ أمهات الثورة دون أن يعلمن ذلك، وأنهن أكثرية يفقنني قدرةً على الاحتفال بأنفسهنّ على طريقتهن الخاصة. بعيداتٌ عن مفاهيم النسوية، ونظرية الجندر، ومبادئ حقوق الإنسان والمطالبات الدائمة بحقوق المرأة.


كان يكفي أن تعطى إحداهنّ رأس الخيط، لتتدحرج نحو أعماقها كحبّة عنب هربت من فم من يهمّ إلى أكلها، كان يكفيها نفخةٌ واحدة لتقود شراعها وتطير، وأغنيةٌ واحدة لتطلق الزغاريد، وشهيدٌ واحد ليعرف العالم نبلها ورضاها.


المسألة إذن ليست مُعَرَّفةً بيوم مخصصٍ تحتفل النساء فيه، ولا بثقافةٍ غالباً ما امتلكها من يميل إلى التيارات اليسارية، بل إنها غريزةٌ أصيلة، وتلقائيّةٌ مدهشة، تحتاج حدثاً يخضّها من قاعها ويملأ في روحها هواءاً خالصاً لتطفو.


كان كافياً أيضاً أن تحزن النساء بعد أن تتالت النعوش، وتراكمت الأكفان، وتوالت الخسارات، ليجلسَ الحزنُ كصخرةٍ على صدر البلاد، وتصبح مشلولة حتى عن شقّ طريقٍ للنَفَس.


فرحُ النساء معدٍ، مغرٍ وممتلئٌ بالغواية، لا تتمايلُ امرأة بغنجٍ في منزل أو شارع إلا ويعمّ الاكتفاءُ مساحتها. وحزنهنّ كذلك، ما أن ربطَ الحزن لسانهنّ، حتى خرست الأوطان جميعها!

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +