أشكال ألوان| لقد صنعتنا الثورة حقاً

أشكال ألوان| لقد صنعتنا الثورة حقاً

«لم نصنع الثورة، ولكن الثورة صنعتنا»


جورج بوشنر


تعود لي ذاكرة صُنعي، منتصف العام 2011 كانت أول تجربة لي بالحرية، لازلتُ أذكر أول هتاف، أول رجفة، أول خوفٍ وأول كسرٍ لحاجز الصمت.


عندما تصنعك الثورة تكون حقاً قاسيةً عليك، إذ ليس للرحمة حيزٌ معتبرٌ بتضحياتك، ففي المسافة الفاصلة بين آخر عنصر أمن استلذ بإهانتك  جهاراً، وأولِ شهيدٍ تحمله بين ذراعيك، تُصنَعُ ثائراً مُخّلّقاً. تحملُ فوق كاهلك سنيناً طويلة من القهر الدكتاتوري، الذي يأبى إلا أن تُقايضه بدماء الشهداء وصرخات المعذبين والمعتقلين ودموع الثكالى والأرامل.


دونما خشيةٍ من الغد، عادت أعلام الثورة لتعطي الربيع لونه الأخضر. وبرغم كل ما عاناه السوريون في السنوات المنصرمة، إلا أن تلك الثورة التي صنعتهم أبت عليهم إلا أن يستمروا كما بدأوا.


برغم العودة، تبقى الأحداث في الثورات غير قابلة للتكرار كما هي بالمطلق، فاليوم ومع عودة المظاهرات إلى المشهد السوري، غُيّبت ولم تغب وجوه كثيرة -عرفناها أو لم نعرفها- عنه، ولكي نعلم كم لهذه الوجوه من دورٍ حاضر، يجب أن ندرك قبل كل شيء أعدادهم بالتحديد. وفي حين أن ممارسات النظام السوري القمعية لا تسمح بذلك، تبقى الأرقام التقديرية -مع هولها- أقل بكثيرٍ من الواقع، ولكن لا غنى عن الاستعانة بها.


فحسب شبكة إحصائيات الثورة السورية منذ بداية الثورة وحتى الشهر العاشر من العام 2015، وهي آخر إحصائيةٍ حتى الآن:


بلغ عدد الشهداء التقديري 280,000 شهيداً، 82% منهم من المدنيين.


عدد الجرحى يزيد عن 262,270.


عدد المعتقلين يزيد عن 282,195.


عدد المفقودين يزيد عن 109,535.


عدد اللاجئين خارج سورية يزيد عن 4,450،940.


عدد النازحين داخل سورية يزيد عن 9,100,000.


هذه الوجوه التي شكّلت جزءاً كبيراً من بدايات الثورة بشعارات كانت المطالب فيها كل ما يتعلق بحقوقنا من حرية و كرامة، غُيبت إما بقتلٍ أو اعتقالٍ أو تهجيرٍ أو اختفاء، لكنها لم تغب بما رُفع لاحقاً من شعاراتٍ تطالبُ بمحاسبة القاتل والإفراج عن المعتقل وإنهاء الحكم المستبد، ليعود المهجّر ويُعرَفَ مصير المختفي.


هكذا أصبح هؤلاء جزءاً لا يتجزأ من ثورتنا، جزءاً غير قابل للزوال أو الاندراج تحت خانة «في طي النسيان»، جزءاً كان ولم يزل وسيبقى. وهذا ما يعنيه أن تصنعك الثورة.


لكلً منا اليوم حكايةُ صنعٍ مختلفة، بعضنا تُحمَل حكايته مطلباً ملحاً، كالمعتقل المغيب باسل خرطبيل، المعتقلة المغيبة فاتن رجب، المعتقلة المغيبة رزان زيتونة، وسمر وإياد وغيرهم كثيرون. بعضنا تنطقُ بحكايته جدران المدن كالشهيد «الرجل البخاخ» نور زهرة، بعضنا لازالت ندباتهم غصّةً حاضرةً في حلوقنا كالشهيد الطفل حمزة الخطيب، وبعضنا أصبح صوتهم المكتوم في غياهب العدم صوتنا الناطق في الشوارع والساحات.


بهؤلاء جميعاً تعود الثورة الآن وكأنها تبدأ كل لحظة، وتصرخ بكل صوتٍ وتحكي عن كل ألم، نعم لقد صَنَعَتنا الثورة حقاً.


 يقول الناشط الحقوقي هيو نيوتن: «يمكنك أن تعتقل ثائراً، لكن لا يمكنك اعتقال الثورة!».

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +