أشكال ألوان| متى ستصبح ثورةً؟

أشكال ألوان| متى ستصبح ثورةً؟

ما يزالُ النقاشُ الأفلاطوني العميق، الذي قد يستمر إلى ما بعد سقوط النظام، يشغل فكر كبار مثقفي النخبة السورية، الذين يجمعهم بمحض الصدفة انتماءٌ طائفيٌ لا مبرر للتفكير في دلالته، ما يزال النقاش محتدماً لوضع أساسٍ لحركة الشعوب:


هل ما حدث ويحدث في سوريا.. ثورة؟


يحتاج المثقف النخبوي الطائفي لمجهرٍ، كالذي ينظر فيه سيادة الدكتور في الصورة الشهيرة، ليرى ثورةً في الحراك الشعبي السوري. فهي لا تشبه ما رسمه في خياله، فهو لم يكن يجرؤ على التصريح بها حين كان يرتعُ في أروقة النظام، ولأنها لا تطابق خياله، فهي ليست ثورةً بطبيعة الحال.


لم يقدم له السوريون الثائرون في شوراع المدن السورية منصّةً كالتي قدمها له النظام في المراكز الثقافية، ليتحدث مطولاً عن تجربة كاسترو الثورية، وعن خطر الإمبريالية العالمية والغول الرأسمالي القادم لسرقة.. بؤسهم.


لم يُتِحْ له السوريون فرصةً لكتابة مقولاته في الحداثة والتطوير الإجتماعي والرؤى المضادة للحكومات الرجعيّة العميلة على لافتات مظاهراتهم. لم ينتبه السوريون قبل انتفاضتهم، لمقالاته المتمردة التي لم يترك فيها «ريغاراً» مفتوحاً إلا وقرّع الحكومة لإغلاقه، مقالاته التي حاربت غلاء الطماطم دون هوادة، وعرّت النظام الفاسد في كل مؤسسة استهلاكية. أجل، انتفضَ السوريون بفوضى كان يمكن تلافيها لو أنهم قرأوا مقالاته بالعمق اللازم.


لم يعرف السوريون أن عليهم تغيير نمط لباسهم، ومواعيد صلاتهم، ووصفات طبخهم، وتسريحات شعرهم، ليقنعوا العالم بالتدخل لحمايتهم، رغم عشرات الأدلة التي يسوقها المثقف بلا هوادة كل يوم عن وقفات العالم الحر المنصفة لكل الشعوب المظلومة التي استمعت لنصائحه.


لم تكشف عينا صاحبنا المجردتان من المظاهرات، إلا أن من قاموا بها ارتدوا ما بقي من ثيابهم في بقايا بيوتهم التي أحرقها النظام. لم تر في اللافتات المرفوعة التي تطالب بالحرية والحياة الكريمة وتنادي بوحدة الشعب السوري –رغم الكوارث التي مزّقت نسيجه– إلا جنسَ من يحملها.


يبدو وفقاً للمنظور الثقافي العميق الكاشف لطريقة تحرّك العالم الذي يقدمه الرفيق العتيد، أنّ على السوريين أن يعترفوا بأنهم المسؤولون عن قتل أبنائهم، وقصف بيوتهم، واعتقال مئات الآلاف منهم، ثم يعتذروا من العسكري المسكين الذي اضطروه لحمل السلاح وقتلهم، وبعد كل ذلك: العودة لتعاليمه في التفكير والإيمان والأكل واللباس والزواج والرقص والنوم والاستيقاظ والفرح والحزن والموت والحياة، وحينها فقط، يمكنهم التوجه للنظام العالمي برسائل يصوغها ذات المثقف العضوي، ليخبروه عن معاناتهم في مواجهة نظام ديكتاتوري يمنعهم من قراءة مسرح العبث، وحينها سينتفض العالم الحرّ بلا هوادة – بضمانة الرفيق ذاته – ويقتلع النظام اقتلاعاً.


هي ثورةٌ يا هذا.. هي ثورة


قد أعذرُ عماك الذي أعجزك عن رؤية الجمال فيها، فعينٌ أدمنت القبح ستنكر الجمال حتماً. هي ثورةٌ زغردت فيها أمهات الشهداء في جنازات أبنائهنّ، مُطالباتٍ بوطن حر. هي ثورةٌ قدم فيها السوريون كل ما لديهم حين استقبلوا المهجرين من المحافظات المنكوبة، هي ثورةٌ اجتمع العالم لسحقها: ولم يستطع.

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +