أشكال ألوان| إن فاضت لك وإن شحّت لك

أشكال ألوان| إن فاضت لك وإن شحّت لك


على مساحةٍ تمتد حوالي 20 ألف كيلومتر مربع،11% من مجمل مساحة سوريا، كان هناك 1,200000 سوريّ. والآن يكاد عدد السكان لا يصل الـ900 ألف في المحافظة، دون حساب عدد النازحين فيها والهاربين، خاصةً من المناطق التي سيطرت عليها قوات سورية الديمقراطية.


برغم هذه الكثافة السكانية، إلا أن مدينة الرقة تكاد تخلو من الفنادق، ليس بسبب الفقر بل لعدم الحاجة إليها. فأنت إذ تزور الرقة، سيستقبلك أهلها الذين يتركون أبواب منازلهم مفتوحة دائماً، فمن المعيب عندهم أن يبيت زائرٌ أو سائحٌ أو ضيفٌ في فندق.


من تشققات ضفاف الفرات ذات التربة اللينة حين ينحسر الماء عنها، ولدَ اسم الرقة، وكذلك قلوب أهلها التي شققها الخذلان والأهوال.


لم تحظَ تلك المدينة بالإنصاف، لا حين كانت المدينة السورية المنبوذة سياسياً واقتصادياً بسبب أول محاولة اغتيال لحافظ الأسد على سد الفرات قربها، ولا حين أصبحت مدينةً ثائرة، ما لبثَ أن دخل هواء الحرية رئتيها إلا وعادت محتلةً من جديد.


منذ بداية انضمامها للثورة، قدمت الرقة  300 شهيد، وقُبيلَ دخول داعش وصل العدد لـ700 شهيد، أما بعد دخول داعش فقد بلغ العدد إلى الآن 6000 شهيدٍ معظمهم من المدنيين.


في أول ذكرى للثورة بتاريخ 1532012، استشهدَ الشاب علي البابنسي وقد خرج في تشييعه في اليوم التالي 200 ألف من أهل الرقة، سقط منهم 41 شهيداً.


قد يظن البعض أن إعلان مدينةٍ ما كعاصمة، أو زيارة رئيس دولة لها، هو تشريفٌ يضعها في مصاف المدن المهمة بعد ذلك، إلا أن الرقة لم يكن لها هذا الحق أيضاً.


فحين أُعلنت عاصمةً كانت لداعش، وحين زارها رئيسٌ كان بشار بعد أن قامت الثورة، ورفضه السوريون كرئيسٍ شرعي للبلاد. وفي هذه الزيارة أيضاً أثبتت الرقة رفضها له، حين خرجت فيما لا يقل عن عشر نقاط تظاهر ضد الزيارة. لم تكن الرقة كما وصفت سابقاً خاذلةً للثورة، بل كانت الرقة دائماً هي المخذولة بطريقة أو بأخرى.


وفي معرض الحديث عن إعلانها عاصمةً للتنظيم، تُعتبر الرقة المنطقة صفر بالنسبة لداعش، لعدة اعتبارات أهمها أن الرقة بوابة سوريا، فهي مفتوحةٌ على خمس محافظات سورية، عدا ما تملكه المدينة من غازٍ ونفط ومياه وسدود، مما يجعل جغرافيتها لعنةً أهلها، لعنةٌ جعلت العالم كله ينظر إليها الآن على أنها عاصمة تنظيم الدولة، أي عاصمة الإرهاب، خاصة مع انضمام بعضٍ من شباب المحافظة لصفوف التنظيم. وهنا يأتِ السؤال الملّح: كم عدد الذين التحقوا فعلياً بصفوف التنظيم من أبناء الرقة لتستحق هذه النظرة؟


حسبَ آخر إحصائية أجراها شباب حملة الرقة تذبح بصمت، والتي تتقاطع مع إحصائية الصحفي الألماني يورغن تودنهوفر، وهو الصحفي الوحيد الذي استطاعَ إجراء مقابلةٍ مع عناصر من التنظيم، فقد بلغ عدد التنظيم في عموم سوريا 40 ألفاً بين مقاتلٍ و إداري، القيادات في التنظيم حصراً من العراق.


عددُ المنتسبين السوريين للتنظيم قد بلغ تقديرياً 10 آلاف من عموم حماة وحمص وإدلب والرقة، وعدد المنتسبين من الرقة وحدها حوالي 4000  كمبايعين بين إداريٍ ومقاتل. ومع حساب نسبة التنظيم في الرقة «عاصمة التنظيم»، والذي بلغ 12 ألف مقاتل، نجد أن نسبة المنضمين من الرقة لا تتجاوز الـ33% ضمن المدينة، وبمجمل عدد التنظيم الموجود في سوريا فإن نسبة أهل الرقة تبلغ 1% فقط.


هؤلاء الذين انضموا للتنظيم، والذين لا يتجاوزون الـ1% تجمعهم أسبابٌ عدّة، فمنهم من كان مؤيداً للنظام والتحق بداعش بعد خروج النظام، ومنهم من يطلق عليهم أهل الرقة «الصيّاع»، وهم الفئة المنبوذة في المجتمع بسبب سوئها، ومنهم لأجل القوة والسيطرة والنفوذ، ومنهم بسبب الفقر، والفئة الفقيرة هي التي كانت متوسطةً قبل الثورة، والتي أصبحت تكافحُ للنجاة ضمن مدينةٍ فُرِضَ عليها العيش فيها، حيث أن التنظيم يمنع المدنيين من مغادرتها، ويتهم من يحاول ذلك بترك بلاد المسلمين إلى بلاد الكفر، عدا عن التحقيق المطول والمسيء الذي يتم إجراءه معه من قبل جهاز الحسبة سيء الصيت، والذي قد يعطيه الورقة التي تسمح له بالمغادرة، وهذا نادرُ الحدوث، مما يجعل أهالي الرقة فعلياً أسرى في مدينتهم لا يملكون حتى قوت يومهم.


ما استهللتُ به المقال هو مثلٌ شعبيٌ مجازيٌ متداولٌ عند أهل الرقة، معناه أنه وإن فاض الخير بالناس فلن يأتيهم منه إلا النذرُ اليسير، وكذلك الحال إن شحّ. فالأمر للرقاويين سيّان بسبب الخذلان الذي تعرضوا له، فهل تكون الثورة الآن قادرةً على إلغاء هذا المَثَل من قلوب الرقاويين، والحيلولة دون ذبحهم بصمت؟

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +