أشكال ألوان| اليمن، بين انتحاريّ وقنّاص!

أشكال ألوان| اليمن، بين انتحاريّ وقنّاص!

تبدو اليمن معلقةً اليوم بين إرهاب الانتحاري وإرهاب القناص، فبعد الانقلاب وانقسام الجيش وتطييف الصراع السياسي والاجتماعي، وتنامي الحرب الناشبة وتسارع انهيار الدولة وصعود الميليشيا والمقاومة، فضلاً عن الإرهاب والإرهاب المضاد، يمكنُ القول إن تطرف «القاعدة/السني» يتجوهرُ حالياً في شخصية الانتحاري، بمقابل أن التطرف «الحوثي/الشيعي» يتجوهر في شخصية القناص.


ذلك أن عمليات انتحارية، ترفضها أخلاق المقاومة الوطنية بالتأكيد، كانت تبنتها القاعدة وداعش ضد مساجدَ وتجمعاتٍ في مناطق سيطرة الميليشيا الحوثية، فيما غالب ضحاياها من المدنيين والأبرياء للأسف.


كما أن هناك قناصةً ضمن الميليشيا الحوثية، لطالما دأبوا على استهداف الابرياء والمدنيين في المدن التي حاولوا اقتحامها، واندحروا منها، فيما ظل ذلك السلوك العنفي هو المفضل لديهم في المدن التي يحاصرونها حتى اللحظة.


يتفاقم الغضب الشعبي ضد شخصيتي الانتحاري والقناص أكثر من غيرهما، ربما لأن اليمني مهما تأثر من الحرب، يظل يحترم في خضمّها من يتواجهون في أرض المعركة، ويتحاربون على نحو أخلاقي إذا جاز التعبير، لا من يتوارون أو يتسللون خلسةً كالنموذجين اللذين تنعدم لديهما أبسط مشاعر الرأفة والشفقة.


أما الآن، فقد آمن اليمني تماماً بأنه لا أخلاق في الحرب كما يؤكد الواقع، ولذلك ينال القناص والانتحاري النصيبَ الأكبر من اللعنات المنهالة على المتحاربين عموماً. وإذ تستفزني الخريطة الذهنية للقناص كأحقر تجليات عنف الحرب وتداعياتها، إلا أن  أكثر شخصية قاتلة تثير حيرتي في هذا العالم –بعد القناص- هي شخصية الانتحاري.


فالحاصل بين شخصيتي القناص والانتحاري :تكتيكات الدم والقتل المجاني بلا حدود، وهما بشكل خاص أبرز من يؤججان التوترات الاجتماعية الثأرية والانتقامية التي لا أخطرَ منها في اليمن الآن. وبالطبع؛ ثمة فارقٌ بين المنتحر الذي يودي بنفسه فقط لأكثر من سببٍ نفسي، وبين الانتحاري الذي يودي بالآخرين معه. هذا النوع أفرغوه من عقله وعاطفته، وتمت تعبئته بالبارود والسيطرة المسبقة على إرادته. والأرجح أن انتقامية شديدة يوجهها إلى ذاته كل انتحاري كما أتخيل، في حين تتضاعف تلك الانتقامية حين يقرر توجيهها على الآخرين دون شك. كذلك فإن الانتحاري من الصنف المشحون بالكبت والانفعال والاغتراب والشعور العصابي بالاضطهاد والعدوانية معاً، كم أن كل انتحاري لا بد يتعرض لجرعات مكثفة ومخططة من التهييج والاستلاب والتعبئة، لتكسوه غلالة من التصورات الدينية المنحرفة والوهمية التي تسوغ له سموَ ما سيقوم به.


لكن في العمليات الإرهابية ذات الشأن الدين، تزيد حيرتنا تجاه الانتحاري من ناحية أن هنالك فرقاً دينياً واضحاً بين الشهادة والانتحار، أي أن قتل النفس من المحرمات الدينية الواضحة، ما لا يتسق مع شخصية أي متدين طبيعي كما يُفترض. والمعروف أن من يمشون في ذات الطريق الارهابي بمختلف دوافعه الدينية أو المسيسة يطلقون على الانتحاري صفة الاستشهادي، كما يؤكدون وباقتناع ملفت أنه باع نفسه رخيصة في سبيل الله.


يبدو من الواضح أن هناك خبراء باصطياد هذا النوع من القنابل الموقوتة، فضلاً عن خبراء بالسيطرة النفسية والايديولوجية عليهم، وخبراء بإعدادهم للمشهد الاخير، بعد أن يكونوا قد غرسوا فيهم الكراهية بإتقان، وأعدوهم رويداً رويداً للاقتناع السعيد بالموت لأسباب جهادية وجيه، ستفضي بهم الى فردوس الراحة الأبدية.


أما القناص فهو كائنٌ ما بعد متوحش ومسخ ومخبول، يربض في مكان آمن، ويقنص لمجرد أن يقتل، أو ليلبي رغبة انتقامية عبثية لدى من يعمل لحسابه. تحديداً تحكمه عقدة دموية مركبة وغامضة، بل لكأن تلذذه بالحقد الملغز هو من يحركه على ضرب أي شيء يثيره، ولا يعجبه ويتحرك.


القناص الذي لا يستمع لضحاياه ولا يعرفهم، يقتل بدم بارد، القناص كصاحب مهنة لا أبشع منها، القناص المشحون والمعبأ بالقسوة وبرودة الاعصاب، لا تقنعني الدوافع التي يقتل بسببها، مع علمي أنها دوافع ملتبسة ومحيّرة تلتقي فقط عند مسألة الإمعان في بثّ الرعب والترهيب، وكتكتيكٍ قذرٍ للاستنزاف وشلّ حركة شوارع المدن.


إن أحقر القتله وأجبنهم هم القناصون، الذين يظهرون كأنما يمارسون لعبتهم المفضلة على جهاز البلاي ستيشن فقط، ولأفظع –بلا شك- أن يكون اختصاص القناص اولئك الذين لا يحاربون.

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +