أشكال ألوان| ديكتاتور المهاجرين، وقَوّاد عنجر!

أشكال ألوان| ديكتاتور المهاجرين، وقَوّاد عنجر!

أصدرت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي في لبنان، بيانًا جاء فيه: «نتيجة للتحريات والرصد الدقيق، تمكنت مفرزة استقصاء جبل لبنان في وحدة الدرك الإقليمي، من خلال عملية أمنية نوعية، من كشف هوية مجموعة أشخاص يؤلفون أخطر شبكة للاتجار بالأشخاص في لبنان وتوقيفهم في محلة جونيه، وتحرير 75 فتاة معظمهن من الجنسية السورية، تعرضن للضرب والتعذيب النفسي والجسدي وأجبرن على ممارسة الفحشاء تحت تأثير التهديد بنشر صورهن عاريات وغيرها من الأساليب. وجرت عملية التوقيف على مرحلتين، حيث داهمت المفرزة المذكورة بتاريخي 27 و 29/3/2016 الملاهي الليلية والشقق التي تستخدم لإيواء الفتيات وحررتهن (بعضهن تعرضن للتشويه الجسدي نتيجة تعذيبهن)، وألقت القبض على عشرة رجال وثماني عاملات بصفة «حارسات» تعملن على حراسة وإدارة هذه الشقق، فيما لا يزال اثنان من الذين يديرون هذه الشبكة متواريين عن الأنظار، وتم تسليم الفتيات إلى عدد من الجمعيات بناء على إشارة القضاء المختص، فيما التحقيق مستمر لتوقيف باقي أفراد العصابة والمشاركين في هذه العملية».


انتهى البيان، وبالكاد سُلّطَ الضوءُ على الخبر إعلاميًّا، سواء كان من قبل الإعلام اللبنانيّ، أو الإعلام السوريّ، بصرف النظرِ عن الجهة التي يتبعها، أو الموقف الذي يوجّهه.


بادئ ذي بدء، ينبغي القول إنّ ما حصلَ جريمة، لا تبرّرها أي أسبابٍ، ولا يُمكنُ التغاضي عن فجاجتها ووقاحتها وهمجيتها في أيّ حالٍ من الأحوال. ولم يعد نافعًا هنا، لا في هذا الموضعِ ولا في سواه، تبريرُ ما جرى ويجري للسوريين في لبنان بذريعة ارتكابات النظام السوريّ في لبنان خلال عقودٍ خلت. إذ إنّ تبريرًا كهذا قد يُساقُ على ما يجري تجاه السوريين وحسب، فما الذي سيسوقهُ المبررونَ إزاء جرائم مماثلة تُرتكبُ هناك تجاه «آخرينَ» غير سوريين، وهي كثيرة؟!


واقعُ الحال يقولُ إنّ الفعلَ العنصريّ، والتضييق، وخنق الهواء، والجرائم الأكثر بشاعةً من كلّ هذا، تُمارسُ تجاهَ اللبنانيين أيضًا في بلدهم، وإن بدرجةٍ أقلّ بحُكمِ وجودِ سندٍ اجتماعيّ لهم في بعضِ الأحيانِ، عكس أقرانهم البشر «غير اللبنانيين» في لبنان. وهذه جريمة أخرى. أي استغلال شخصٍ بحكمِ ضعفهِ وعدم قدرتِهِ على الدفاع عن نفسه، هذا طبعًا إذا أردنا ألّا نتوقّفَ عندَ «يُتمِ» اللاجئ عمومًا، ويجب علينا ألّا نتوقّف فعلًا.


ما يجري على وجهِ الدقّة، أنّنا أمامَ دولةٍ شبه غائبة بمفاهيمها المؤسساتية، وبلادٍ متروكةٍ نهبًا للأقوى، وهو اليوم معروفٌ وواضحٌ ولا يُخبّئ نفسَه، حتّى أنّ قوّتهُ جعلتهُ يحاولُ مدّ سلطانِ نفوذِهِ خارجَ حدوده. وفي حالٍ كهذي، يحارُ المرءُ –بعدَ أن يشعرَ بمرارة ما حصلَ للفتياتِ- سوريّاتٍ كنّ أو غير سوريّات، على من يُلقي اللوم؟!


أميلُ لتحميلِ النظامِ السوريّ أولًا مسؤولية كلّ ما جرى ويجري لكلّ سوريّ على وجهِ هذا الكوكب، بل ولكلّ لبنانيّ أيضًأ. إذا لم نذهب أبعدَ من هذا، فيغدو الأمرُ مثارًا للسخرية. وأميلُ كما دائمًا، في كلّ حادثةٍ أو جريمةٍ مشابهة تجاهَ السوريين في لبنان، إلى تذكّرِ كلّ ما قدّمهُ لبنانيون كثرًا للسوريّين الهاربينَ من جحيمِ «بلدِنا الرهيب»، ضمنَ إمكانيّاتٍ محدودةٍ، ماديًّا ولوجستيًّا، وحتى «حريّاتيّاً»، إذ إنّهم باتوا عرضةً لكلّ خطرٍ يتهددُ السوريينَ مثلما يتهددهم سواء بسواء، طالما أنّ القتلةَ المجرمينَ ما زالوا في أماكنِهم، يتابعونَ جرائمهم بلا هوادة.


ولكنّ ميلي لهذا الموقف، والذي قد أشتركُ فيهِ مع آخرينَ سوريين وغيرهم، لا يمنعُنا قطّ من إدانةِ الجريمة ورفضِ تمريرها كسواها، وفقَ أيّ سبلٍ قانونيّة يُمكنُ أن يسلُكها الإنسانُ في مثل هذه الحالات. كما أنّهُ لن يخفّف من خطورةِ الانفجارِ الاجتماعيّ الذي نمضي إليهِ صحبةَ أهلِنا في لبنان. وهوَ قادمٌ لا محالة، طالما أنّ الديكتاتور ما يزالُ قابعًا في قصرِ المهاجرين. الأمرُ الذي يعني أنّ «عنجر» بعسكرِها وعسسها وأجهزتها الفاسدة، بل وقَوّادِيها أيضًا، ما تزالُ قائمةً، وعلى مسافةٍ أقربَ لبيروت من ذي قبل. ولا يبدو أنّ حلّاً يلوحُ في الأفقِ مالم تُعطى الحقوقُ لأصحابِها، ويحصلَ البلدانِ على حريّتهما معًا.

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +