أشكال ألوان| أرملة الصحراء!

أشكال ألوان| أرملة الصحراء!

بعد زيارة مدير الاستخبارات الأمريكية برينان إلى موسكو مطلع شهر آذار لمناقشة مصير الأسد، تتجهُ معظم القراءات السياسية إلى محاولة الأسد من خلال معركة استرداد تدمر من يد داعش، طرحَ نفسه كشريكٍ قويٍ وفعال في محاربة الإرهاب.


الجميعُ يدرك دون أدنى شك مدى الخسائر البشرية والأثرية لمدينة تدمر، وبرغم هزلية هذه المعركة التي يكاد يتفق الجميع على أنها مجرد مسرحية، إلا أن الحقائق وراء التسليم أكثر من أن تكون مجرد صفقة لتبييض وجه الأسد أمام العالم كمحورٍ أساسي في مكافحة الإرهاب.


إن ما يوفره كلا الإعلامين السوري الرسمي والداعشي، لا يعكسُ وجه الحقيقة. لكن ما يخرجُ للعلن من تصريحاتٍ وأحداثٍ هنا وهناك، قد يساعدنا على فهم مدى استفادة النظام السوري من مسرحيةٍ مفضوحةٍ لم يكلف نفسه حتى عناء الحبكة فيها، خاصةً بعد ما تحدّث به النائب العام السابق محمد قاسم ناصر في تدمر قبل شهرين، والذي انشق عن النظام. كما أن النظام من حيث لا يقصد «أو يقصد»، وعلى لسان مدير المتاحف والآثار مأمون عبد الكريم، أثبتَ تعاون النظام وداعش، من خلال كلامه عن صفقةٍ بين داعش والنظام تتعهد فيها داعش بعدم تدمير الآثار.


وبالفعل، فقد ثبت تدمير كثيرٍ من آثار مدينة تدمر، ومن ذلك ما نشره المعهد الأمريكي للبحوث المشرقية التابع لجامعة بوسطن «ASOR»، بتاريخ الخامس من أيلول 2015 من صورٍ جوية تُظهر حجم التدمير الذي لحقَ آثار المدينة.


يؤكد هذا الكلام ما وردَ على لسان ناصر الثائر المتحدث باسم تنسيقية الثورة السورية في تدمر، حيث أشارَ إلى أن المعارضة رصدت 1400 غارة جوية ومروحية منذ بدء الهجوم لطرد داعش من محورين شمال وغرب المدينة، وخلالَ أقل من أسبوع واحد. وبأن الغارات استهدفت كل أنحاء المدينة، بما فيها المعابد الأثرية ومنازل المدنيين. ومن المعالم الأثرية التي استُهدفت بمئات الغارات الجوية، قلعةُ فخر الدين، حيث دُمّر 50% منها.


وأما عن سرقة آثار المدينة، فالصفحات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وصور القطع التي يتم بيعها بالمزاد العلني، أصبحت أوضح من أن ينكرها عاقل. فأثناء وجود داعش في تدمر، تم تهريب كثيرٍ من القطع الأثرية إلى تركيا، حيث بيعت هناك. والآن بعد استيلاء النظام السوري على المدينة، يقوم عناصره وعناصر حزب الله بسرقة ما تبقى فيها، حتى أن منازل المدنيين لم تسلم منهم، بعد أن حرصوا أشد الحرص على تفريغ المدينة من ساكنيها، ومن رَفَضَ الخروج عُذِّبَ بشدة، ونشرَ الناشطون صوراً لتعذيب من بقي من المدنيين في تدمر، وغالبيتهم من الطاعنين في السن. وقبل أن يحرص النظام على تفريغ المدينة، سعى حليفه الداعشي لذات الشيء كما وردَ على لسان أحد النازحين قوله عن استخدام داعش لمكبرات الصوت قبيل معركته مع النظام، وأمرِهِ لجميع سكان المدينة بمغادرتها فوراً بحجة إعاقة تحركاته العسكرية.


بالعودة إلى فوائد النظام من مهزلة التحرير، فإن ما يلوح الآن هو موافقةٌ مبدئية من أميركا لقبول شراكة الأسد في محاربة الإرهاب، أي بقائه على رأس السلطة، وهذا ما تؤكده أيضاً تهنئة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لبشارالأسد بنجاحه في استرداد تدمر من يد داعش.


ويتحدثُ البعض أيضاً عن عودة بعض العلاقات الدبلوماسية للنظام السوري مع دول عربية، تتجلى بزيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم للجزائر. عدا عن الفوائد الجيوسياسية المرتبطة بتأمين حدود العراق، ومنع دخول أي قوىً للتحالف الإسلامي من هذا المحور، مع ضمان استمرار تدفق مقاتلي التنظيم. وحسبَ الخطة المرسومة الآن، والتي تقتضي الاتجاه نحو الرقة ودير الزور بعد تدمر، يكون الهدف التالي حقل توينان النفطي المهم جداً لروسيا بريف الرقة الجنوبي.


هذه المعركة الوهمية، وما ترسمه من تعقيداتٍ جديدة في خطة الطريق التي يضعها النظام السوري بمساعدة حلفائه، لم تكن خسائرها فعلياً في جنودٍ وضعوا ليُقتلوا تضحيةً بهم في سبيل تنفيذ خطط أكبر. بل كانت خسائرها الفعلية بقتل وتهجير المئات من سكانها، بقتل زنوبيا مرتين بعد اغتصاب مملكتها على يد النظام وداعش، لتتحول تدمر على مرأى العالم بأسره من عروسِ الصحراء إلى أرملةِ الصحراء.

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +