أشكال ألوان| إعلان في زوايا معتمة

أشكال ألوان| إعلان في زوايا معتمة

علامات امتثال لا حدود لها بدت على وجهه بعد أن قرأ الرسالة:


«تعودت أن تمضي بعزم نحو الأمام دائماً، لذلك نحيطك علماً بقبول ترشيحك إلى مجلس الشعب السوري لدورة 2016».


وضع الرسالة داخل الجارور الأخير وأقفله جيداً، دغدغ لحيته، وبدأ يرتب أفكاره للحملة الانتخابية.


لم يحضره حينها إلا صديقه الطبيب الذي أنهى اختصاص «جراحة بولية» في جامعات أوروبا منذ وقت قريب، على الفور شرح له الموقف وطلب منه أن يكون مستشاره في حملته تلك.


وجد الطبيب نفسه أمام تحدٍّ وطني وصداقيّ هائل، ألزمه بالبحث عن طرق الإعلان والدعاية الأمثل  للحملات المشابهة، وعن ارشادات يتّبعها الناجحون في الغرب في رسم شخصياتهم الانتخابية.


ثلاثة أيام مرّت، راح ضحيتها عشرة علب سجائر، وصندوق عصير، وكيلو قهوة. نام خلالها تسع ساعاتٍ، ودخل الحمام أكثر من ثلاثين مرة.


ماذا يمكن أن يكون برنامج انتخابي لمجلس شعب مات منه 500000 شخص وتهّجر أكثر من نصفه، وبات ما تبقى تحت خط الفقر حسب تقارير المنظمات الإنسانية ذات الشأن؟!


أما الأوراق المتراكمة على المكتب، فقد حان وقت اختزالها وتحويلها لخطة عمل بعدما بات الموعد قريباً مع الصديق «المُرشّح».


على عجل دوّنَ بعض الملاحظات:


1-    يجب وضع اقتراحات تتخطى الاستقطاب المحتمل في المجتمع.


2-    يجب أن يتضمن البرنامج الانتخابي على أفكار جذرية تسهم في التغيير المأمول.


3-    يجب طرح قضايا مثيرة للجدل وحساسة مجتمعياً.


4-    يجب استعمال كلمات قوية وصادمة، بحيث تحدث حالة انفعالية عظيمة.


5-    يجب أن يحترم المرشح الناخب، ويعطي وعوداً يكون قادراً على تنفيذها.


تصفّح صفحة الفيس بوك العائدة لـ «انتخابات مجلس الشعب  2016»، فوجد أن عدد المعجبين 426 معجب بالصفحة من 10 مليون لم يغادروا البلد بعد، واطّلع على شعارات المرشحين، القادمين حتماً من مصحات عقلية بعد أن استنفذوا كل طرق العلاج.


رمى بالملفات والتوضيحات والرسومات البيانية في القمامة، وكتب لصديقه رسالة إلكترونية توضّح الخطة الانتخابية:


تحية وبعد


أنت تعرف أن في معظم أزقة الشام هناك زاويا معتمة، وغالبا ما يُكتب على جدرانها عبارة «لا تبول هنا يا محترم»، من هذه الزاوية المعتمة سوف تنطلق بحملتك الانتخابية، لأنه لم يعد أحد يكترث في الشوارع العامة للصور المعلقة، وقد راقبت ذلك بنفسي على مدار أيام من البحث الميداني.


سنعلّق صورك في تلك الزوايا، لأن الناخب المفترض، يمكنه ملاحظة الصورة جيداً، فأثناء قضاء حاجته يكون صافي الذهن، لذا ستبقى صورتك محفوظة حتى موعد الانتخابات بعد أن حققنا «صدمة قوية تحدث حالة انفعالية عظيمة».


 تُكتب جملة «لا تبول هنا يا محترم» بخط عريض، فوق صورتك، على عكس ما تكتب عادة، فيضطر المتبول إلى قراءة شعارك الانتخابي المكتوب في أسفل الصورة: «معاً لبناء حمامات نظيفة». هذا الشعار يحاكي حاجات الناخب الملحة جداً بالإضافة إلى أنك «قادرٌ على تنفيذه، وهذا أمر يكسبك احترام الناخبين»، وكما ترى، فإنّ الشعار يحمل «فكرة جذرية تسهم في تغيير المجتمع».


صديقي العزيز: اعتمدتُ في بناء خطة الحملة على أحدث الطرق العلمية كما تلاحظ، وحاولت جاهداً أن أضع شعار لحملتك «تتخطى أي استقطاب مجتمعي محتمل»، وجرّبتُ «طرح قضية حساسة مجتمعياً».


والله وليّ التوفيق.



على الفور ضغط المرشح مذهولاً على replay: هل هناك عاقل يضع طبيب بوليّةٍ مستشاراً انتخابيّاً له؟!


وسريعاً جاء الرد: هل هناك مرشح اسمه «معروف بلوي» ويمكن أن ينتخبه أحد؟


*بلوي: مصيبة بالعامية السورية.

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +