أشكال ألوان| كيف تحوّل العالم إلى شقة دعارة؟

أشكال ألوان| كيف تحوّل العالم إلى شقة دعارة؟

تتصدرُ كلمة «الدعارة» في الآونة الأخيرة معظم عناوين الصحف والإعلام في عالمنا، تتصدرها كأنها فعلٌ وحدثٌ غريب عن حياتنا المثالية النظيفة، رغم أن الحقيقة الواضحة كالشمس هي إنها، وأقصد «الدعارة»، أصبحت حجر أساسٍ في أي نشاطٍ وحدث مؤثر في مجتمعاتنا، فليس َمستغرباً أن يتحول هذا  المجتمع الذي يحيا حياتين، إحداهما علنية وأخرى في الخفاء، إلى «شقة دعارة» رسمية في هذه البلدان التي تحكمها أنظمة استبدادية، تُكرّس الأفكار البالية وتعمل على تكريس السائد الرديء، حيث يغدو من الطبيعي تحول مجتمعاتها إلى فكر الدعارة كمعملٍ يبيعُ المتعة بأقذر الأساليب البدائية. والمتعة هنا تبدأ بالجنس، ولا تتوقف عند المعتقلات والسجون الموجودة في هذه الدول التي تُحكَمُ باسم الدين والأخلاق المقدسة. المعتقلات والسجون التي يجري فيها التعذيب كنوعٍ من أنواع المتعة لقوادي هذا العالم الذي نستيقظ فيه كل صباح، حيث لم تعد القذارة والعهر الفكري والحياتي حكراً على فئة معينة بذاتها، الجميع يأخذ حصتهُ منها أفراداً وجماعات، نساءً ورجالاً، منظمات وحكومات، إعلام وصحافة ورؤساء دول ومشايخ وكهنة، كتاب ومثقفون.


حين تقرأ عناوين الصحف التي تكتب عن قضية «السوريات» اللواتي تم اصطيادهن، بكل معنى كلمة اصطيادٍ بما تتضمنه من تخطيطٍ وإيقاعٍ بالضحية، ومن ثم إجبارهن على العبودية الجنسية وممارسة الدعارة. حين يتم الحديث عن موضوع خطير كهذا بخجلٍ وتورية مريبة، وبرغبة بلملمةِ الموضوع والتعامل مع  طرفي القضية «بمكيالٍ واحد»، أن يتم سجن أولئك النساء والتعامل معهن كعاهرات متمرسات، لا نساء تم استغلالهن وتعذيبهن وتدميرهن نفسياً، مع أولئك القوادين الذين تعاملوا معهن كعبيد لديهم وأرضخوهن لكل وسائل التعذيب والجلد والضرب، والقهر النفسي والجسدي، فيما الطبيب المتهم بإجراء أكثر من مئتي عملية إجهاض لنساء مسلوباتٍ الإرادة، بأدواتٍ بدائية وبلا رحمة، يخرج من السجن بعد ثلاثة أيام من القبض عليه، ويجب ببساطة عدم الاستغراب من ذلك، فهذا لبنان!


حينما تُصغي لصوت مذيعٍ في إحدى القنوات العربية يتحدث عن تسريبات وثائق بنما، الوثائق التي تكشف أسماء أولئك اللصوص والقوادين الذين سرقوا حيواتنا وثروات البلاد التي كان من المفترض أن تكون بلادنا، نعيش فيها بكرامة وحرية. أولئك اللصوص الذين تسببوا بتشريدنا على حدود دول العالم، العالم الذي حتى اليوم يتعامل مع ملف اللاجئين كورقة سياسية لتسوية مصالحه، فأي عهرٍ ودعارة عالمية كالصفقة التي تمت بين الاتحاد الأوربي وتركيا، حيث أعادوا بالأمس أول دفعة من اللاجئين الذين ركبوا قوارب الموت للهرب من الحرب والموت في بلادهم. العالمُ الذي يتفنن بصرفِ ملايين الدولارات على ورش تعليم مبادئ حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية المعلبة في بلداننا، وفي الغد يتركنا في العراء نحلم بغدٍ أفضل لأطفالنا الذي كبروا في الخيمة وتحت القصف، أطفالنا الذين نسوا المدرسة والحلم الطفولي بأن يصبحوا غداً أطباء كما تربينا جميعاً في تلك المجتمعات، التي لم يكن لأي مهنة قيمةٌ فيها سوى هذه المهنة، لكنهم حرموا أطفالنا حتى من هذا الحلم الممل الرتيب الذي عشناه.


السؤال الذي يمدُ رأسهُ هو: من الذين كانوا السبب بتحويل هذا العالم إلى شقة دعارة كبيرة؟!


نحنُ كأفراد، أم حكوماتنا التي أرست ثقافة الدعارة كمنظومة قيمية في كل مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتعليمية، من المدرسة إلى لعمل الوظيفي، إلى المناصب السياسية والثقافية التي كان يستلمها أقل الأشخاص تأهيلاً واستحقاقاً، فحينما يخرج للصحافة والإعلام أسماء تُكَرَّس كأهم الكتاب في الأدب والشعر والثقافة، وهي في الحقيقة تكتب أردأ أنواع الأدب، أليست هذه دعارة فكرية وثقافية تحدث كل يوم؟


حينما يتصدر شاعرٌ ما واجهة المهرجانات الثقافية باسم بلدٍ ما، دون أن يكون قادراً على تقديم أي صورة لهذا البلد سوى بؤس منتوجه الأدبي؟


حينما تتكون شللٌ ثقافية وأدبية تدعم الرداءة في كل مكان، فقط لأنها تتبنى ذات الرداءة


عندما يتحدث باسم الشهداء والمعتقلين، اللصوص والقوادون والكاذبون باسم الثورة والحرية والبلاد.


حينما تُكشف فضيحةٌ كقضية مقتل الشاب الايطالي جوليو ريجيني في مصر، ويتم التعامل معها وكأنها حدثٌ عادي في دولة كبيرة كمصر، دولةٌ تُنتهكُ فيها حقوق الانسان كل يوم بصمت.


حينما تصدرُ كل يوم عشرات الفتاوي الدينية الغيبية، التي ترسّخ الجهل والنفاق والقتل والعنف، وتخرج على التلفزيونات الرسمية ويُصفق لها؟


حينما يستلم شاعرٌ كأدونيس جائزة ريماك للسلام، وهو الذي كان طوال الوقت مع الطاغية وجيشه، ولم يكتب جملةً واحدة تُدين قتل الألاف من شعبه بأقذر الوسائل انحطاطاً.


حينما تخرج مئات الشهادات من نساء إيزيديات عمّا تعرضن له من مذلة انسانية في القرن الواحد والعشرين لدى داعش، من بيعٍ في أسواق النخاسة وتعذيبٍ واغتصابٍ، ويبقى العالم متفرجاً على هذا التنظيم البدائي الإرهابي الذي يلقى دعماً غير مباشرٍ من حكوماتٍ كثيرةٍ في العالم.


كل هذه الحوادث اليومية في مجتمعاتنا، تحدثُ بشكلٍ يوميٍ ومكرر، وكلها دعارة مدعومة من أهم وأرفع الشخصيات والمسؤولين والحكومات. نحن مجتمعاتٌ تتبنى الدعارة رسمياً، فلمَ هذا الخجل بالاعتراف، بالأصح نحن عالمٌ يروجُ للدعارة، أليس لدول الكبرى في هذا العالم يدٌ بهذا التحويل؟!


حينما يردد رئيس أكبر دولة كأمريكا عن الخطوط الحمراء التي تجاوزها النظام الديكتاتوري في سوريا مراراً، ويبقى مجرد متفرج ٍ تافه أمام تجاوزاته التي طالت كل شيء، بينما كانت الدعارة الحقيقية وقوادها يلعبون بحيواتنا نحن السوريين مراراً وتكراراً من تحت الطاولة.


أليست دولة كروسيا برئيسها وتعامله مع الموضوع السوري، درساً مصغراً عن الدعارة الحقيقية التي تتحكم بالعالم!؟ في الحقيقة لم تكن يوماً الدعارة مجرد انحلالٍ أخلاقيٍ لدى امرأة، إنما كل يوم يتم تأكيد أن الدعارة هي مؤسساتية وتنظيمية وقوادوها هم منظومة هذه الدول الكبرى، هم الحكومات والأنظمة المهترئة في عالمنا الثالث، هم المؤسسات الدينية التي تعودُ بنا إلى العصور الوسطى.


ليست الدعارة شأناً شخصياً خاصاً بامرأةٍ ما، إنما هي سياسة عالمية تبغي تحويل هذا العالم الكبير إلى شقة دعارة يسهل إداراتها من قبل القوادين والعَهَرَة.

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +