أشكال ألوان| السوريون الجدد

أشكال ألوان| السوريون الجدد

لم تسقط «أل» التعريف عن السوريين، ولن تسقط أبداً، إنهم يستحقونها. فحصّالة أيامهم ما زالت مليئة بالأميّات، وما زالوا يقرأون طالعهم في فناجين القهوة بعدَ كل وجبة قصف!! قُتلوا بالتقسيط المريع، ولم يمت أملهم!! غرقت خيامهم باليأس، ولم تغلق وجوههم أبوابها!! لقد بدأوا بتفسير أحلامهم، قبل أن تنتهي صلاحيتها!! وحين فشلوا في تغيير قناعة الموت، أرسلوا إليه طلبات لم الشمل، وجلسوا ينتظرونه في الباقي من بيوتهم، وتركوا لوكالات الغوث الدولية مهمة البحث عن أسمائهم تحت الأنقاض.


الرقة التي تهطل عليها القذائف بعد كل صلاة استسقاء، ما زالت «الموليّا» تهزُّ دفوفها. وحلب التي تتناهبها الخرائط، ما زال أطفالها يتسلقون أسوار القلعة. والمظاهرات السلمية في درعا، أعادت لمسرح بصرى اعتباره التاريخي. و«النكات» الحمصية ما زالت تجوب الآفاق!! تلك هي سورية التي أهدوها قبراً، فدفنت فيه صمت المجتمع الدولي، لأنها لا تؤمن بالحب الممنوع من الصرف.


منذ خمسين حزناً وهي متهمة بالفرح، فلم تجد بدّاً من التآمر على المحرمات، وتركت الأبواب مواربةً للأغنيات التي لا تطال ممشوقَ ألحانها الحناجرُ المأجورة، وبدأت بزراعة الذكريات في أماكن لا تصلها كاسحات الألغام.


سورية الآن مهرجان شعرٍ في ألمانيا، وفرقةٌ موسيقية في فرنسا، وخيمةٌ تعلّم الأطفال النشيج الوطني في مخيم الزعتري.


سورية الآن امرأةٌ تلوّح بيدها خلف جدار النسيان، وطبيبٌ يختلس الوقت ليذهب إلى مخيم تل أبيض في بعلبك، وصحفيٌ يلاحق فراشات ابتسامات الأطفال في مخيمات بر الياس، وامرأةٌ ترسم ساعةً على معصم ابنها علّه يسرق بعض دقائق الحياة، قبل أن تسقط من راحتيه أصابعُ الأسئلة.


تلك هي سورية التي تحولت من خريطةٍ في كتاب الجغرافيا، إلى هاجسٍ في ضمائر السوريين، إلى قصيدةٍ ينثر عطرها حسن شاحوت، ورواية يجمع فسيفسائها خالد خليفة، وسيمفونية يطير مع ألحانها مالك جندلي، وصرخة ينحت تقاسيم ألمها علي سليمان.


سورية التي بلغت سن الرشد في غيابنا، لم تعد قصيدةً تبحث عن شاعرٍ يعتلي بها المنابر، صارت حقيبةً نرتب فيها ذكرياتنا، حكايةً وكلنا شهرزادها التي تنتظر الصباح بطمأنينةٍ مصطنعة، وحزنٍ لم يجد البكاء الذي يحتويه.


لقد تعبَ السوريون من السير خلف أسئلةٍ لا جواب لها، فاضطروا أن يكنسوا النفايات التي عملوا على تدويرها، منذ أن خرج الوطن من حلم الاستقلال، ودخل في أحلام المستغلين!! وقد انقسموا إلى نازحين ولاجئين، النازحون يحسدون اللاجئين على بعدهم عن الموت الوطنيّ، واللاجئون يحسدون النازحين على وطنيّة موتهم!!

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +