أشكال ألوان| مهرجان سورية لأفلام الموبايل: سورية بعيون أخرى

أشكال ألوان| مهرجان سورية لأفلام الموبايل: سورية بعيون أخرى

جاءت الدورة الثانية لمهرجان سورية لأفلام الموبايل، والذي تنظّمهُ مؤسسة الشارع للإعلام والتنميّة، مُكّمِلةً لسيرة الدورة الأولى؛ إذ سعى مُنظّمو هذه الفعاليّة إلى إبراز البعد المحلي لما يمكن تسميته «محاولات سينمائية واعدة» أساسها «مواطنون صحفيّون»، وجدوا أنفسهم خلال سنيّ الثورة؛ وهم يخوضون مجالات لم يكونوا على درايةٍ أو اضطلاعٍ بها.


هذه السنة كان الافتتاحُ من على المدرج الأثري لمدينة بصرى في ريف درعا، تزامناً مع عرضه في مدنٍ وبلداتٍ سوريّةٍ أخرى (حلب، إدلب، الوعر في حمص، كفرنبل، المعضميّة، داريا، الأتاراب، سراقب، المعرة، وريف حلب الجنوبي)، ليجولَ المهرجان أيضاً على مدنٍ عالميّة كمدينة برلين الألمانية، ومدينة إسطنبول التركية، وغازي عنتاب الحاضنة الأكبر لسورييّ الشتات في تركيا.


حسبَ البيان الصحفي للمهرجان، فإنّه يقدّم في دورته الحالية 33 فيلماً تم تصويرها بكاميرات الموبايل، وستتنافس فيما بينها على أربعة جوائز هي: جائزة لجنة التحكيم، جائزة أفضل فيلم، جائزة أفضل فيلم سوري، بالإضافة إلى جائزة الجمهور، التي تقوم على تصويت المشاهدين عبر الإنترنت، وستُعلَنُ نتائج هذه الجوائز في ختام المهرجان.


 الغارديان البريطانية كتبت عن افتتاح المهرجان بدورته الحاليّة أيضاً، واصفةً إيّاهُ بأنّه فكرةٌ إبداعية وخلاّقة تُقدَّم للجمهور حول العالم؛ إلاّ أنّ القيمة المُضافة للمهرجان هذه السنة هي افتتاحه من على مسرح بصرى الأثري، حيث أضافَ هذا المكان مشهديةً خاصة وأثيرة. الصورة التي نُشرت عن تحضيرات الافتتاح، ورمزيّة حضور الجمهور لحدثٍ سينمائي في ظل الظروف الحاليّة، أعطى صورةً مغايرةً لسوريّة الأخرى، سوريّة الخارجة عن حكم الأسد، والتي ما إنّ التقطت أنفاسها بعد انخفاض منسوب العنف، حتى عادَ السوريون فيها إلى سيرتهم الأولى بمظاهرتهم السلميّة ذات الطابع الاحتفالي. وتأتي نشاطاتٌ مثل مهرجان سوريا لأفلام الموبايل لتّذكّرَ العالم بأنّ هناك سورييّن يرغبون أن يعيشوا حياة طبيعية بعيداً عن ويلات الحرب التي فرضها عليهم نظام الأسد، الذي أحال حياتهم خلال السنين الماضية إلى يوميات ملؤها البراميل المتفجرّة، وما إلى ذلك من صنوف الموت التي أذاقها ويذيقها للسورييّن على مرِّ السنوات الخمس الماضية.


تباينت نوعيّة الأفلام التي عُرضت، وبالطبع اختلفت سويتها الفنيّة، فبعضها جاء ثمرةً للبرنامج التدريبي «بكسل»، وبعضها أُنجزَ من خلال المنح الإنتاجية التي يقدّمها المهرجان، واختلفت الطرائق المستخدمة أو «التكنيك» المُستخدم أثناء إعداد هذه الأفلام. فمثلاً ينحو فيلم «عنقودي» لمخرجه حسن قطان إلى تركِ شخصيات فيلمه تروي حوادث الفيلم، وكأنّها حواراتٌ يوميةٌ صِرفة. أمُّ حسين وأولادها الخمسة، ومشاهد بسيطة من بيتٍ معدمٍ في إحدى حواري حلب المحررة. قصةُ حسين، وهو الشخصية المحوريّة، الذي فقد يده نتيجة إصابته بقنبلة عنقودية وجدها على سطح بيته، حيث قام بدقّها واللعب بها ليدفع ثمن هذه اللعبة القاتلة التي سببت له (مشاكل في الذاكرة وفَقَد قدرات التعلّم). مأساةُ حسين هي مأساة مركّبة، في بلدٍ يدّمره رئيس أهوج، وأطفاله يلهون بقنابل عنقودية، في ظلِّ غيابٍ كامل للمدارس التي يُستعاض عنها بدروس بدائية على يد شيخ الجامع. حسين، الذي كان تبدو عليه أمارات الذكاء كما كانت تُشير أمه وهي تعرض صوره للكاميرا، كان يبكي عندما لا يستطيع نطق الأحرف وتعلّمها: «مبعرف.. مبعرف».


أمّا في فيلم «خبّي الموبايل»، الذي أخرجه ميلاد أمين، ينحو صانعُ الفيلم إلى استخدام تقنية السرد الروائية التي يمثلّها الراوي «narrative»، من خلال تعليقه على أحداث الفيلم، الذي يبدأ بمشهدٍ لشبابٍ على ظهر سيارة صغيرة يقومون بتصوير شوارع دمشق في عام 2013 ليوقفوا التصوير قبل وصولهم للحاجز الأمني، ويتم الانتقال بشكلٍ مفاجئٍ إلى كورنيش بيروت البحري 2016. يقومُ الفيلم على رواية تناقضات الواقع السوري مع تفاصيل الحياة اليومية، ويروي قصة أمجد الذي صوّر مقطعاً في إحدى شوارع دمشق في عام 2012، عن طريق إخفاء الموبايل بجيب قميصه، المقطع حينها تمَّ تداوله بكثرة، وأمجد استُشهِدَ بعد سنة من ذلك في قصفٍ على مدينة سقبا وهو ينقل الحقيقة ذاتها، التي نقلها موبايله المخفي في جيبه. يتطرّقُ الفيلم لدور الموبايل في نقل مجريات الثورة مستعيداً رُهابَ التصوير في سوريّة الأسد، عندما يقول: «بسوريا ما فينا نصوّر، لهلأ بتوتر بس أحمل تيليفون بالشارع».


فيلم «ع التيل» الذي أخرجهُ وصوَّرهُ أكثم علواني، له فرادةٌ وميزةٌ خاصة. شخصية الفيلم الرئيسة هي ذاتها من صنعت الفيلم وصوّرت أحداثهُ، يرصدُ أكثم معاناة السوريّين الهاربين من موت الصواريخ والسواطير، إلى موتٍ من نوعٍ آخر هو الموت أثناء عبور الحدود. أكثم ذاته يظهر لاحقاً وهو مُلقىً على سريرٍ في إحدى المشافي والكدمات والدماء باديةٌ على وجهه، نتيجة اعتداء الجندرما التركيّة عليه أثناء عبوره الحدود. يُلخّص أكثم الحكاية كلّها بجملة تمرُّ في فيلمه: «هالمشهد لساتو عم يتكرّر ولسا عم يدور على بطل، يمكن بيكون الشعب كلو أو يمكن القدر».

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +