أشكال ألوان| المفاوضات السورية مستمرة.. ولكن!

أشكال ألوان| المفاوضات السورية مستمرة.. ولكن!

المفاوضات السورية مستمرة لأنها ليست سورية! هي مفاوضاتٌ أمريكية روسية علنية، وأمريكا تريدُ هيمنة روسية على سوريا، وروسيا تلعب بهذه الورقة وتعزز حضورها، وبالتالي لا إمكانية لانهيار الهدنة كما يتخوف كثر، ولكن كذلك ليس من حلٍّ فوري ما لم يحصل توافقٌ كبير بين الدولتين العظميين.


القضية ليست في عقدة الرئاسة السورية، ولا في داعش ولا في النصرة، بل هي في خلافات مستمرة وليست متعلقة فقط بسوريا؛ فهناك توافقاتٌ حصلت وكانت نتيجتها تصنيف داعش والنصرة كمجموعات إرهابية، وتطبيق الهدنة، وضبط دخول السلاح إلى سوريا، وتقليم أظافر صالح مسلم، حيث قال الأمريكان أنهم ليسوا مع حكمٍ ذاتي في سوريا، وأُخذت التخوفات التركية والإيرانية بعين الاعتبار، وأعلنت روسيا الانسحاب للضغط على النظام، وكررت الانتقاد للأخير، وآخره القول وعبر اتصال مع المسؤولين الأمريكان إن رئيس وزراء سوريا يثرثر، وتصريحهم بأن الانتخابات التشريعية ليست أمراً هاماً وهي «همروجة سياسية» في سياقٍ خاصٍ بالنظام، وكي لا يحدث فراغٌ دستوري في سوريا.


الأمريكان بدورهم متمسكون بالنظام، ولكن يريدون رحيل رجالاته حامية الرؤوس ضمن العملية الانتقالية، أي أن رأيهم تقريباً كالرأي الروسي بخصوصه؛ فالأخير كرر أنه ليس متمسكاً بقيادات النظام، ويريد تأمين مصالح روسيا في سوريا. أمريكا تدعم هيمنةً روسية من أجل معركتها الفعلية ضد الصين، والأمر عينه يخص إيران. الخلافات المعطِلة للحل السياسي متعلقةٌ بقضايا تخص النظام الإقليمي بأكمله، فكلٌّ من إسرائيل والسعودية وتركيا تريد إنهاء التمدد الإيراني في سوريا، وهذا سيعقّد المشهد ولا سيما بخصوص حزب الله. ومن ناحيةٍ أخرى، من سيقدم المال للإعمار في سوريا غير الخليج؟! روسيا أيضاً تريد حلاً للعقوبات المفروضة عليها، ولا يمكنها الذهاب نحو حلٍّ سياسي في سوريا ما لم تضمن مصالحها تلك، ويتم الاعتراف بها كدولةٍ عظمى. التعقيد إذن ليس سببه عقدة الرئاسة، ولا كلٌّ من فريقي التفاوض السوريين، واللذين فُرِضَت عليهما الهدنة والقرار 2254 وقبل ذلك جنيف الأول، وبالتالي كل القرارات المتعلقة بسوريا لم يكن وفد النظام ولا وفد المعارضة ممثلان فيها.


يمكننا القول إن وظيفة وفدي سورية تنفيذ المطلوب منهما دولياً، وبالتالي مواقفهما تعكسُ اختلافاً في المصالح الإقليمية والدولية أكثرَ مما تعكس وجهات نظر لقوى مستقلة؛ فالنظام يتلقى كل يوم درساً روسياً في السياسة وبالمسموح له والممنوع عنه، والمعارضة أيضاً رهنت نفسها للمصالح الإقليمية والدولية.


تقدمت الفصائل في حلب واللاذقية، ومقابل ذلك استولى النظام على تدمر وبلدة القريتين، وهناك تقدمٌ واسعٌ لقوات صالح مسلم، وأيضاً ما جرى من كلام عن التقدم نحو الرقة سواء من جهة النظام أو قوات صالح مسلم المدعومة أمريكياً. وبالتالي معارك الكر والفر هذه، وربما الاستيلاء على بعض الأماكن، هي فقط لتدوير الزوايا بين الدول، والتذكير بأنها فاعلة وقادرة على لي اليد حين الضرورة.


ربما تكون هذه الخلاصة مؤلمة، فالأرواح تُزهق والبيوت تُدمَّر والناس يصبحون لاجئين والعداوات القومية والطائفية تتجذر، ولكنها الحقيقة وبدءاً من تحرير إدلب والتدخل الروسي؛ فمنذ ذلك الوقت انتهت فكرة الحل العسكري، وأصبح الحل سياسياً، والعسكرة من أجل اللعب بالسياسة وليس من شيء آخر.


معركة حلب تبيًّن أنها كلامٌ للإعلام، والقول إن الهدنة انتهت أيضاً، وكذلك تقديم «الحرب على الإرهاب» على الحل السياسي وتغيير النظام هي أمور ليست واردة، وبالتالي هناك إشكالية واحدة ومتعلقة بعدم حدوث توافق واسع بين الدول، وهذا يفترض بالضرورة وجود محادثات سرية بين كيري ولافروف، وبين الأطراف الفاعلة في المنطقة للوصول إلى توافقات دولية وإقليمية وليس بخصوص سوريا فقط.


السوريون المتعبون، والمنغمسون بمشكلاتهم في الداخل خاصةً وفي الخارج، يجدون أنفسهم مجرد كراتٍ يتقاذفها اللاعبون الحقيقيون؛ ولا يمكن مع هذا التعب مطالبتهم بتشكيل إرادةٍ صلبة ورفض لما يعد لهم مستقبلاً، أو المساهمة في مشروع بديلٍ عما تتجه إليه المفاوضات ومصالح الدول. المشكلة أن المستقبل لن ينصفهم أبداً، وكل حلٍّ سياسي سيكون أقرب للتسوية السياسية، وإغلاق ملفات كثيرة، ولن تأخذ العدالة الانتقالية مجراها الحقيقي، فالروس والأمريكان عازمون على حلٍّ وسطٍ، وهذا يتضمن بالضرورة رحيل الصف الأول من النظام، والتوافق على قتال كافة القوى التي لن تنخرط في العملية السياسية.


مشكلة المستقبل هذه مرتبطة بالسوريين أنفسهم؛ ودون تنظيم أنفسهم في أشكال مؤسساتية وفاعلة تمتلك مشاريع وطنية وفي كافة أوجه الحياة، فإن شكل الحكم القادم وشكل الإعمار وكافة المسائل ستكون حصيلة التوافق الإقليمي والدولي، أي ستكون سورية ليست للسوريين.  


مطالب الثورة السورية الأساسية في الحرية والكرامة والعدالة، وما تراكمَ في هذا الاتجاه، يتطلب عودة السوريين إلى قضيتهم الأساسية، أي إلى مشروعٍ وطنيٍ ثوري، وهذا ما يجب العمل عليه الآن وغداً وبعد أن تصبح روسيا الوصية الدولية على سوريا، وبما يتجاوز النظام والمعارضة سويةً، فهل يعي السوريون شكل المستقبل المعدّ لهم عبر المفاوضات غير السورية؟!

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +