أشكال ألوان| جنسية اللاجئين الافتراضية

أشكال ألوان| جنسية اللاجئين الافتراضية

في اليوم العالمي للاجئين، الذي تنظمه الأمم المتحدة في العشرين من حزيران منذ عام 2001، وصلَ عدد اللاجئين حول العالم هذا العام إلى أكثر من 65 مليون لاجئ، خمسة ملايين منهم أو يزيد يأتون من بلادنا سوريا. وكما صرّحت وكالة اللاجئين في الأمم المتحدة، فإن هذه هي المرة الأولى التي يتجاوز فيها اللاجئون عتبة الـ60 مليوناً.


كثيرة هي القصص التي تدمي القلب عن معاناة هؤلاء الهاربين من الموت إلى الموت، الباحثين عن فرصٍ للحياة تكاد تكون معدومةً في زوايا الرحيل عبر طريق قاتم المعالم.


«لا أحد يغادر وطنه إلا عندما يكون الوطن أشبه بفمِ قرش، لا أحد يركض باتجاه الحدود إلا عندما يرى مُدُنه تركض باتجاهها أيضاً»، هكذا كتبت الشاعرة البريطانية من أصل صومالي «ورسان شاير»، ولكن هل هذه الحقيقة جليّةٌ كما هي لأصحاب الأوطان الأصليين؟ هل الإنسانية بمعناها الأعم تحتمل وجوهاً للرفض أو الخوف من الآخرين، عندما لا ندرك ماهية فزعهم وتفاصيل تجربتهم الخاصة؟ وهل حقاً يحتاج العالم إلى أن يرى معاناة هؤلاء عن كثب ليفعل شيئاً تجاه هذه المأساة المستمرة؟ هل يحتاج الإعلام منا اليوم أن نتناقل صور الغرقى والمضطهدين والمشردين في الخيام، حتى يتم إدراك حجم الكارثة البشرية التي نحن فيها الآن؟ وهل استوقفت تلك الصور أحداً ما، أم أنها اكتفت أن تكون أفضل صورٍ ملتقطة لهذا العام؟ أم أننا دون مواربة أمام اختبارٍ ناجحٍ لسقوط مفهوم المصلحة الجماعية أمام المصلحة السياسية؟


لن أتحدث هنا عن ملايين القصص المؤلمة التي باتت ترسم ملامح عالمٍ نعيش فيه الآن، بل إن ما أريد تحديده في هذا المقال هو: من نحن فعلاً وإلى من ننتمي؟


في رحلة لجوئي استوقفني صحفي يوناني حين كنت أقطع حدود مقدونيا متجهةً إلى صربيا وأنا أحمل جوالي الذي ناء بثقل ما وثّقه حينها، قال لي ذلك الصحفي السبعيني: «نحن نشعر بكم اليوم، فأهلنا كانوا لاجئين أيضاً»، وكان يقصد فترة الحرب العالمية الثانية.


هنا يجب أن أقاطع حديثي بنفسي، وأعترف أمامكم أنني كنت أجد صعوبة كبيرة في فهم من يضع أطفاله في مواجهة كل هذه المخاطر في رحلة اللجوء، ولم أكن أستطيع استيعاب الأسباب أو الشعور بها حقاً، حتى خضتُ غمار التجربة ذاتها ووثّقتها بنفسي.


شعرتُ حقاً بسُخفِ تفكيري عندما قال لي أحد اللاجئن، وكان قد ترك ابنه الذي ولد في اليوم السابق فقط وراءه وقرر أن يخوض في احتمالات البحر المفتوحة: «كنتُ ميتاً هناك، لن أستطيع أن أساعد ابني وأنا ميت، في حال نجوت قد يكون هناك فرصة لمساعدته، وليس لدي ما أخسره في جميع الأحوال».


ما يدعم كلام الصحفي اليوناني حول الشراكة في تجربة اللجوء، هو إحصائية الأمم المتحدة عن أن 1 من كل 113 إنسان في هذا العالم عاش أو يعايش النزوح الداخلي أو الخارجي. وأمام هذه الإحصائية تسقطُ فكرة البلدان أو المواطنين الأصليين في أي مكان، إذ إنه وفي حال استثنينا عامل التعاطف الجمعي أو المصلحة العامة، فإننا نستطيع الاعتماد على عامل الحالة المشابهة أو الشعور المشترك، خاصةً أن صور المآسي الإنسانية تتكرر عبر التاريخ، ولا يميزها الآن سوى إمكانيات التصوير والتوثيق المختلفة. وما يبدو جلياً تماماً أنه ورغم انتشار المنظمات التي تُسمى في جزء منها منظماتٍ انسانيةً مع ملحقاتٍ أخرى، إلا أنه لا شيء يمكن الاعتماد عليه اليوم سوى جهود المتطوعين الفردية في حمل خطيئة البشرية كاملة على كاهلهم.


من نحن فعلاً وإلى من ننتمي؟


ما يسعى إليه اللاجئ هو أن يجد ذلك الوطن البديل الذي يحميه، والجنسية البديلة التي تؤمن له حقوقه كبشري، دون أن يفقد حسّ الانتماء إلى وطنٍ تفترسه براثن الحرب الآن. ومن خلال النسبة الموضحة أعلاه، ندرك تماماً أن الغاية لم تتحقق لأغلبية اللاجئين، لكن هذا لا يعني عدم وجود استثناءات: هل تشعرُ أنك تنتمي للبلد الذي لجأت إليه وأصبحت تحمل جنسيته، أم لا زلتَ تشعر بالانتماء لوطنك الأم؟


«أنا لا أشعرُ بالانتماء لكلا البلدين، أشعرُ أنني أحمل جنسية العالم الافتراضي، حيث لا يمكنني التواصل مع أهلي إلا عبره، ولا يمكنني رؤية مدينتي كما كنتُ أعرفها قبل الدمار إلا فيه».


كان هذا الاستثناء، هو جوابُ أحد اللاجئين الحاصلين على جنسية إحدى الدول الأوروبية، وهو ما يقودنا إلى سؤالنا المُلِحِّ دائماً: هل إن رمضاء الحروب لا تنال إلا من أولئك الذين يتورطون فيها لأجل أوطانهم فقط؟

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +