أشكال ألوان| الحرب التي تنتج فنّاً

أشكال ألوان| الحرب التي تنتج فنّاً

يرى كثيرون بأن دمشق لم تعد مدينة طبيعية، أو مدينة تهوى الحياة بكافة تفاصيلها وأزقتها، فـظلال خمس سنوات من الحرب زادت أوجاع هذه المدينة المرهقة، إذ لطالما كان للحروب أثر على ثقافات الشعوب وفنونها وآدابها، لما لديها من قدرة على ذلك التغيير أكثر من الأحوال الطبيعية، فتجربة الحرب تعتبر بدايةً لنهضة في كافة المجالات، هذه الواقعية الحتمية في خلق التغيير الإبداعي الغير إرادي والذي تأبى الأمم أن تقبل به كانصياع إرادي له ولاتجاهاته الفنية والأدبية والثقافية.


شباب سوري اتخذ قراره بأن يبقى في دمشق ويغني ويعزف موسيقاه في كل مكان، فما أن تسمعهم لن تتوقف عن التفكير بأن هؤلاء هم صوت الحياة فيها، وهم من يحملون آمالهم ويعبرون عن أصوات الآلاف من الشباب الذي بقوا في الداخل، صوت الموسيقى هو الأجدر بحمل هذه الرسائل التي لا يملكون الكثير من الوسائل ليعبروا بها عن حبهم وامتنانهم لها.


الخروج عن الواقع والاستقواء على الذات، هي من قادتهم لأرشفة الحياة اليومية الصعبة خلال هذه السنوات التي قست عليهم مثلما قست على جميع السوريين، ووضعتهم في مواجهة شبه مستحيلة معها، هم يصنعون اليوم حياة جديدة في دمشق بموسيقاهم الخاصة بعيداً عن تقبل المجتمع لها (أو حتى لهم) من عدمه، في معظم ما يقدمون من أنواع موسيقية، من موسيقى الـ Rock  و Flamingo والتي يحاولون تقديمها من خلال الطابع الصوفي في الموسيقى على طريقتهم الخاصة في أدائها.


من غير المستغرب بأن نرى هؤلاء الشباب يحاربون بشكل أو بآخر، بطريقة مباشرة من قبل جهات رسمية وغير رسمية في دمشق، أو حتى بطرق غير مباشرة بوضعهم ضمن بوتقة التخوين، بسبب بقائهم في الداخل. أو من خلال اعتبارهم لا يقدرون الوضع المتأزم التي تمر به المدينة، فالحياة في دمشق تغيرت عن سابق عهدها كما يرى أولئك، فصعوبات الحياة في دمشق تسري على كل الشباب فيها أو على الأقل على الشريحة الأكبر منهم والتي ينتمي لها هؤلاء الشباب.


بدأت هذه المظاهر الموسيقية في بعض الحانات والحدائق، في الأحياء القديمة منذ عدة سنوات، لكننا لم نشهد تشكلاً فعلياً لفرق موسيقية تتخذ منهجاً موسيقياً معيناً أو حتى تحاول الوصول لنتاج فني موحد، ولأن التمويل الذاتي والشخصي هو المصدر الوحيد لهم، فإن آمالهم تنحصر بتقديم هذا المنتج، ويحول دون ذلك ضعف الإمكانات للوصول إلى عدد أكبر من المتلقين، فتبقى الحانات وبعض الدور الفنية التي توقفت عن أي نشاط فني أو أدبي منذ عامين أو ثلاث، هي المكان الأكثر سهولة لإقامة حفلاتهم، خاصة وأن الأوضاع المزرية أجبرت الكثير من الموسيقيين المحترفين على العمل في المطاعم و«الكازينوهات» حسب تسميتها المحلية.


هذه المظاهر الفنية المبهرة في دمشق هي خلاصة جيل الحرب، هذا الشباب الذي عاش في الحرب وتأقلم مع ظروفها، منهم من أجبر على البقاء ومنهم من اختاره، ولكن الأهم كيف اختار الحياة! بخلق الحب والأمل في كل مكان كما يفعلون، أم بخلق تبريرات لكل شيء سيء. هذه النشاطات الموسيقية لم يخلقها محترفو المعاهد الموسيقية ولا حتى دور الأوبرا، بل خلقها شباب حالم قدم شيئاً عبر عن صوت الكثيرين ممن آثروا الحياة هنا، وجلّ آمالهم انتظار من يقدم مكانًا ليغنوا في دمشق.

الوسوم

التعليقات

تابعنا على   +